الزلزال دمّر التاريخ في أنطاكيا العريقة

14 فبراير 2023
إنقاذ الناس أولوية حالياً (ياسين أكغول/ Getty)
+ الخط -

بين كومة أنقاض تغطي قاعة الصلاة في مسجد حبيب النجار، وهو الأقدم في تركيا، يمكن رؤية حطام المئذنة، فقد قضى الزلزال المدمّر الذي أودى بأكثر من 35 ألف شخص في سورية وتركيا أيضاً على 14 قرناً من التاريخ في مدينة أنطاكيا.

ومسجد حبيب النجار الذي "يُعتبر أول مسجد بُني داخل حدود تركيا الحالية"، وفقاً للحكومة التركية، شُيّد عام 638.

وحدها الجدران الخارجية صمدت، وباتت الرسوم الداخلية بالأصفر والأحمر والأزرق وكذلك الكتابات على الجدران عرضةً للرياح.

(ياسين أكغول/ Getty)

تقول امرأة خمسينية تُدعى حواء باموكجو وتضع حجاباً، بـ"قلب مفطور"، إن "قطعة صغيرة من لحية النبي محمد كانت محفوظة في علبة" معروضة في المسجد لكن لم يُعثر عليها بعد.

على بعد مئات الأمتار، لحقت أضرار أيضاً بالكنيسة الأرثوذكسية اليونانية التي شُيّدت في القرن الرابع عشر وأُعيد إعمارها عام 1870 إثر هزّة أرضية. يمكن رؤية الصليب الأبيض الكبير الذي كان مرفوعاً أعلى الكنيسة، وسط أكوام الحجارة والألواح الخشبية.

ويوضح العضو في مجلس إدارة الكنيسة، سيرتاتش بول بوزكورت، أن "كل الجدران انهارت. نحن في حالة يأس" آملًا إعادة بنائها.

(ياسين أكغول/ Getty)

زلازل كثيرة

في المدينة القديمة في أنطاكيا، ليس بالإمكان الوصول إلى عدد كبير من الشوارع بسبب أنقاض المباني المدمّرة.

على مرّ تاريخها الذي يتجاوز ألف سنة، توالى على أنطاكيا، أو أنتيوخيا سابقاً التي أسّسها الإسكندر الأكبر عام 300 قبل الميلاد، الإغريق والرومان والبيزنطيون والفرس والعرب والعثمانيون وحتى الفرنسيون لفترة وجيزة بين الحرب العالمية الأولى و1939 عندما سُلّمت لتركيا.

(ياسين أكغول/ Getty)

وشهدت أنتيوخيا زلازل كثيرة، واحداً كل قرن عملياً، دمّرتها وأُعيد إعمار المدينة مراراً. أبرز الهزّات التي ضربتها كانت عامَي 147 و37 قبل الميلاد، ولاحقاً في عامَي 115 و458 بعد الميلاد. عام 526، قضى 250 ألف شخص وفي 1054 قُتل 10 آلاف شخص.

يروي هاكان ميرتكان، وهو طالب دكتوراه في جامعة بايرويت الألمانية ومعدّ دراسة عن هذه المدينة، أن "أنتيوخيا مهد الكثير من الأحداث التاريخية" كما أنها "مهد الهزّات الأرضية".

(ياسين أكغول/ Getty)

تقع تركيا وسورية عند نقطة تلاقي ثلاث صفائح تكتونية، ما يفسّر عدد الزلازل الكبير الذي تتعرّضان له، "عند تقاطع جزء كبير من التاريخ القديم المشترك للبشرية"، وفق قول مسؤول برنامج في المركز الدولي لدرس صون وترميم الممتلكات الثقافية، أبارنا تاندون.

تقاطع الحضارات

يقع نحو ستة مواقع تصنّفها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) ضمن التراث العالمي للبشرية في المنطقة المتضررة جراء الزلزال الأخير.

تذكّر يمنى تابت، من لجنة التراث العالمي، بأن حلب في سورية، وهي أيضاً مركز "تقاطع للحضارات"، سبق أن "دُمّرت بنسبة 60 في المائة عام 1822 بسبب زلزال". وقد لحقت "أضرار جسيمة" بقلعتها هذه المرة، وفقاً للوكالة الأممية.

في المقابل، تشير ماريا ليوليو من لجنة التراث العالمي أيضاً إلى أن في المواقع التركية المدرجة على قائمة التراث العالمي "يبدو أن ليس هناك الكثير من الأضرار". وتوضح أن قلعة ديار بكر في تركيا لم تتكبد الكثير من الأضرار على ما يبدو.

(نيكولاس مولر/ Getty)

إلا أنه ينبغي حتماً أن يأتي خبراء لتقييم شدّة الأضرار، يشدد سمير عبد الله، وهو مسؤول في المجلس الدولي للمعالم والمواقع، وهي منظمة دولية غير حكومية تعمل في مجال حماية التراث في العالم والمحافظة عليه.

ويؤكد عبد الله أنه ينبغي أيضاً إيلاء الاهتمام بمواقع غير مدرجة على لائحة يونسكو للتراث العالمي كتلك الموجودة في أنطاكيا. ويحذّر من أن التشققات التي تبدو "بسيطة" ومن دون تداعيات "بالعين المجردة"، "قد تضعف المعلم" إلى درجة "قد ينهار وحده بعد بضعة أسابيع".

لكن يشدد خبراء التراث الذين تحدثت إليهم وكالة فرانس برس على أن "الأولوية هي لإنقاذ الأرواح"، ما يفرض إعطاء أهمية أقلّ في البداية للمواقع التراثية.

(نيكولاس مولر/ Getty)

وكدليل على ذلك لقاء أجرته فرانس برس مع مسؤول محلي في المدينة القديمة في أنطاكيا الذي فقد صوابه عندما سُئل عن التراث والتاريخ. وقال: "فقدتُ للتو شقيقين وابن شقيقي. أُجلي زوجته وابنتي اليوم. لم يعد لديّ مال، لا شيء" مضيفاً "بصراحة، لديّ أولويات مختلفة عن التراث حالياً".

(فرانس برس)

المساهمون