وجد مهندسون في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أن ممارسة الرياضة يمكن أن يكون لها فوائد على مستوى الخلايا العصبية بخلاف فوائدها المعروفة في تعزيز الصحة البدنية، وتقوية العضلات والعظام والأوعية الدموية والجهاز المناعي.
في الدراسة التي نشرت يوم 12 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي في مجلة Advanced Healthcare Materials، لاحظ الباحثون أنه عندما تنقبض العضلات أثناء ممارسة الرياضة، تطلق الميوكينات، وهي إشارات كيميائية حيوية وصفها الباحثون بأنها "حساء" من البروتينات وعوامل النمو والحمض الريبي النووي.
في التجارب المعملية، لاحظ المؤلفون أن الخلايا العصبية المعرضة لهذه الإشارات نمت أربع مرات أكثر من تلك غير المعرضة. وتشير هذه التجارب على مستوى الخلايا إلى أن ممارسة الرياضة يمكن أن يكون لها تأثير كيميائي حيوي كبير على نمو الأعصاب.
"توضح الدراسة كيف تطلق العضلات المتقلصة إشارات كيميائية حيوية تعزز نمو الخلايا العصبية كثيراً، حيث تنمو الخلايا العصبية المكشوفة لمسافة تصل إلى أربعة أضعاف تلك غير المكشوفة. ومن المدهش أن الدراسة كشفت أيضاً أن الخلايا العصبية تستجيب بشكل جيد بالقدر نفسه لقوى التمدد والانقباض الجسدية المرتبطة بالتمارين الرياضية، مما يسلط الضوء على مسار مزدوج للتطور العصبي" تقول المؤلفة الرئيسية للدراسة ريتو رامان، أستاذة الهندسة الميكانيكية المساعدة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.
وتضيف رامان في تصريحات لـ"العربي الجديد" أن هذا التفاعل بين العضلات والأعصاب قد يكون أمراً بالغ الأهمية لعلاج إصابات الأعصاب حيث ينقطع الاتصال بين العضلات والأعصاب، إذ إن تحفيز العضلات قد يشجع إصلاح الأعصاب واستعادة الحركة لدى الأفراد المتضررين من الإصابات الرضحية (داخل الجمجمة) أو الحالات التنكسية العصبية.
"لقد عرفنا منذ فترة طويلة أن الأعصاب تتحكم في العضلات، لكن هذه الدراسة تظهر أن العضلات يمكنها التحدث إلى الأعصاب من خلال الإشارات الكيميائية الحيوية. ومن المثير للدهشة أننا اكتشفنا أن الخلايا العصبية تستجيب أيضاً للقوى الميكانيكية للتمرينات الرياضية" تقول رامان. وتوضح أنه عندما قام الباحثون بمحاكاة حركات التمدد والانقباض للتمرين على الخلايا العصبية باستخدام الهلام المغناطيسي، وجدوا أن الخلايا تنمو بالقدر نفسه كما هو الحال عند تعرضها للميوكينات. "هذا أمر واعد لأنه يخبرنا أن التأثيرات الكيميائية الحيوية والفيزيائية للتمرين مهمة بالقدر نفسه" تضيف الباحثة.
يعتقد المؤلفون أن دراستهم تمثل خطوة مهمة في فهم تفاعلات العضلات والأعصاب، إذ أشارت الأبحاث السابقة إلى وجود رابط كيميائي حيوي بين التمرين ونمو الأعصاب، ومع ذلك، فإن فريق معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا هو الأول الذي يثبت أن القوى الفيزيائية مهمة بالقدر نفسه.
لعزل دور تقلص العضلات، طور الباحثون نظاماً في المختبر لدراسة أنسجة العضلات والأعصاب في بيئة خاضعة للرقابة. زرع الفريق خلايا عضلات الفئران إلى طبقة ناضجة قادرة على الانقباض، باستخدام الضوء لتحفيز الأنسجة. ثم جمع الفريق المحلول المحيط، الغني بالميوكينات، ونقلوه إلى طبق يحتوي على خلايا عصبية حركية مشتقة من الخلايا الجذعية. أظهرت الخلايا العصبية المعرضة للميوكينات نمواً سريعاً وواسع النطاق، وكشف التحليل الجيني أن الميوكينات التي يسببها التمرين تزيد من تنظيم الجينات المرتبطة بنمو الخلايا العصبية ونضجها والتواصل.
في تجربة موازية، فحص الفريق تأثيرات التمرين البدني على الخلايا العصبية، إذ قاموا بغرس الخلايا العصبية في هلام يحتوي على مغناطيسات صغيرة واستخدموا مغناطيساً خارجياً لتمرين الخلايا العصبية عن طريق تمديدها ذهاباً وإياباً. أنتج هذا التحفيز الميكانيكي نتائج مماثلة للتعرض للميوكينات، إذ أظهرت الخلايا العصبية نمواً كبيراً.
تقول رامان: "الخلايا العصبية مرتبطة جسدياً بالعضلات، لذلك هي تتعرض بشكل طبيعي للتمدد والحركة أثناء التمرين. تشير نتائجنا إلى أن هذه القوى الديناميكية لها تأثير كبير على نمو الخلايا العصبية وهجرتها. ويفتح هذا الاكتشاف المزدوج للمسارات الكيميائية الحيوية والميكانيكية آفاقاً جديدة للعلاجات التي تستهدف تلف الأعصاب أو الحالات التنكسية العصبية مثل التصلب الجانبي الضموري".
من خلال تحفيز العضلات بطرق محددة، يأمل الباحثون في تشجيع إصلاح الأعصاب واستعادة الحركة لدى المرضى. "هذه مجرد خطوتنا الأولى نحو فهم التمارين الرياضية والتحكم فيها دواءً"، تضيف رامان.