الذكاء الاصطناعي... هل يحدّ التنظيم من الابتكار؟

01 يوليو 2023
مشروع قانون أوروبي سيشكل أساساً عالمياً لضبط التقنية (Getty)
+ الخط -

حذرت أكثر من 150 شركة كبرى، في رسالة مفتوحة، من أن خطط الاتحاد الأوروبي لتنظيم تقنية الذكاء الاصطناعي قد تضر بالقدرة التنافسية لأوروبا، من دون أن تقدّم حلولاً كافية لمواجهة التحديات.

تزايدت الدعوات في الآونة الأخيرة لوضع ضوابط تنظيمية، منذ الانتشار الكبير الذي حققته برمجيات للذكاء الاصطناعي، بينها تحديداً "تشات جي بي تي" المطورة من شركة أوبن إيه آي، مع ما أظهره ذلك من إمكانات مذهلة ترافقت أيضاً مع أخطار محتملة كبيرة.

وأيّد البرلمان الأوروبي، في يونيو/ حزيران الماضي، مشروع قانون سيكون الأساس لأولى قواعد شاملة لضبط تقنيات الذكاء الاصطناعي في العالم. ويتضمن القانون المقترح أحكاماً محددة لأنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدية، مثل "تشات جي بي تي" و"دال-إي"، القادرة على إنتاج النصوص والصور والوسائط الأخرى. وسيتفاوض البرلمان والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، البالغ عددها 27 دولة، بشأن هذه القواعد قبل الموافقة عليها. ويسعى الاتحاد إلى التوصل لاتفاق في هذا الإطار بحلول نهاية العام الحالي. وتنص القواعد على وجوب الإعلان صراحة عن أي محتوى أنشئ بواسطة الذكاء الاصطناعي، كما تفرض حظراً على بعض أنظمة الذكاء الاصطناعي، بينها تلك المرتبطة بالتعرف إلى الوجه في الوقت الفعلي.

وقال مسؤولون في شركات كبرى، بينها "إيرباص" الأوروبية و"بيجو" و"رينو" الفرنسيتان و"سيمنز" الألمانية و"ميتا" الأميركية المالكة لـ"فيسبوك"، في رسالة مفتوحة وجهوها إلى مؤسسات الاتحاد الأوروبي: "في تقييمنا، سيعرّض مشروع القانون القدرة التنافسية لأوروبا وسيادتها التكنولوجية للخطر، من دون معالجة فعّالة للتحديات الحالية والمستقبلية". وحذر الموقّعون على الرسالة من أن الذكاء الاصطناعي التوليدي سيخضع بموجب القانون المقترح "لرقابة شديدة"، وأنّ مثل هذا التنظيم يمكن أن يدفع "بشركات تتمتع بحس ابتكاري قوي" إلى نقل أنشطتها إلى الخارج، فضلاً عن سحب المستثمرين رؤوس أموالهم من أوروبا. وأضافت الرسالة أن "النتيجة ستكون فجوة إنتاجية حرجة بين ضفتي المحيط الأطلسي".

وأشار أحد أعضاء البرلمان الأوروبي الذين قادوا التشريع من خلال البرلمان، دراغوس تودوراتش، إلى أنه "مقتنع" بأن الموقّعين على الرسالة "لم يقرأوا النص بعناية"، مضيفاً أن "الاقتراحات الملموسة" الواردة في الرسالة قد ضُمنت بالفعل في النص. وأضاف تودوراتش: "إنه لأمر مؤسف أن مجموعة ضغط عدوانية ومضللة لقلّة من الناس تجرّ معها شركات جادة أخرى". ولفت إلى أن الشكوى "تقوّض ريادة أوروبا التي لا يمكن إنكارها في هذا الملف على المسرح العالمي".

وهذا السعي إلى تنظيم الذكاء الاصطناعي ليس محصوراً بأوروبا، إذ يبدو أن واشنطن وبكين تتفقان أيضاً على ضرورة السيطرة على قطاع الذكاء الاصطناعي الذي يشهد حالياً سباقاً محموماً.

في إبريل/ نيسان، اتخذت الحكومة الأميركية خطوة أولى نحو تنظيم قطاع الذكاء الاصطناعي، تتيح للبيت الأبيض وضع كوابح على التقنيات الجديدة، مثل "تشات جي بي تي". ووجهت وزارة التجارة الأميركية دعوة إلى الجهات الفاعلة في هذا القطاع، لتقديم مساهمات لإدارة الرئيس جو بايدن، من أجل إعداد تصور حول أنظمة خاصة بالذكاء الاصطناعي. وتأتي هذه الخطوة لتشير إلى انفتاح البيت الأبيض على وضع بعض القواعد الأساسية في هذا المجال، خاصة أن بايدن صرّح سابقاً بأنه لا يوجد حكم نهائي بشأن ما إذا كان الذكاء الاصطناعي يشكل خطراً على المجتمع. وأوضحت وزارة التجارة حينها، في بيان: "مثلما لا يوزع الطعام والسيارات في الأسواق من دون ضمان مناسب للسلامة، كذلك يجب أن توفر أنظمة الذكاء الاصطناعي ضماناً للعامّة والحكومة والشركات بأنها ملائمة".

وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة هي موطن أكبر شركات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، بما في ذلك شركة أوبن إيه آي المدعومة من "مايكروسوفت" التي أنشأت "تشات جي بي تي"، فإنها متأخرة دولياً في مجال الأنظمة التي ترعى القطاع. وحضّ بايدن الكونغرس على تمرير قوانين تضع قيوداً صارمة على شركات التكنولوجيا الضخمة، لكن فرصة إحراز أي تقدم تبدو ضئيلة في ظل الانقسامات السياسية بين المشرعين.

وأدى افتقار الولايات المتحدة للتشريعات اللازمة إلى إعطاء سيليكون فالي حرية طرح منتجات جديدة مثل الذكاء الاصطناعي من دون التحقق من تأثيرها على المجتمع، وقبل أن تتمكن الحكومة من وضع القوانين اللازمة.

في مارس/ آذار، دعا الملياردير إيلون ماسك ومجموعة من الرؤساء التنفيذيين والخبراء إلى التوقف المؤقت عن تطوير ذكاء اصطناعي قوي. وطالبوا بأن يتوقف مطورو الذكاء الاصطناعي عن أي عملية تدريب لأنظمة الذكاء الاصطناعي الأقوى من برنامج الدردشة جي بي تي-4 لمدة ستة أشهر على الأقل. ورأى الموقّعون أن بروتوكولات السلامة تحتاج إلى تطوير من قبل مشرفين مستقلين، لتوجيه مستقبل الذكاء الاصطناعي. يعد GPT-4 أحدث تطبيقات الذكاء الاصطناعي، إذ ينتهج أداء على مستوى الإنسان في مختلف المجالات المهنية والأكاديمية، وفقاً للمعهد.

وفي السياق نفسه، تعتزم الصين إخضاع أدوات الذكاء الاصطناعي لإجراءات "تدقيق أمني" في مدى التزام محتوياتها "القيم الاشتراكية الأساسية" وعدم مساسها بأمن الدولة، في وقت تتسابق فيه شركات الإنترنت المحلية العملاقة على تصميم أدوات شبيهة بـ"تشات جي بي تي". لا يمكن استخدام "تشات جي بي تي" في الصين، لكنّ مقالات كثيرة ومناقشات على شبكات التواصل الاجتماعي تتناوله، فيما تتنافس شركات التكنولوجيا المحلية الكبرى على تصميم أدوات مكافئة في الصين. وكان "بايدو" في طليعة المجموعات الصينية التي دخلت على هذا الخط، وما لبثت أن حذت حذوها شركة الإنترنت وألعاب الفيديو تنسنت، وكذلك شركة علي بابا.

ووسط هذا الاندفاع نحو ما يسمى الذكاء الاصطناعي التوليدي، ترغب الصين في تنظيم هذه التكنولوجيا. فقبل وضع أي منتج يقوم على الذكاء الاصطناعي التوليدي في تصرف المستخدمين، ينبغي "طلب إخضاعه لتدقيق أمني"، بحسب ما ورد في مسودة نص تنظيمي نشرتها إدارة الفضاء السيبراني الصينية، في إبريل. ولم تحدد هذه الهيئة الناظمة التي نشرت مشروع النص لرصد التعليقات عليه قبل اعتماده، أي تاريخ لدخوله حيّز التنفيذ.

تنص مسودة النص التنظيمي على أن المحتوى الناتج من الذكاء الاصطناعي ينبغي أن "يعكس القيم الاشتراكية الأساسية وألا يحتوي على (عناصر تتعلق) بتخريب سلطة الدولة". كذلك يجب أن يحترم هذا المحتوى حقوق الملكية الفكرية، بحسب الوثيقة عينها. ويهدف هذا النص إلى ضمان "التطور الصحي لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التوليدية، وتطبيقها وفق المعايير". تطمح الصين إلى أن تنتزع بحلول سنة 2030 مركز الصدارة على مستوى العالم في مجال الذكاء الاصطناعي الذي يتوقع أن يُحدث ثورة في عدد من القطاعات، من بينها صناعة السيارات والطب. 

المساهمون