الدراما المصرية في رمضان... قطاع على حافة الإفلاس؟
تستعد الشاشات المصرية لاستقبال الموسم التلفزيوني الأصعب ربما على مدار تاريخها، في رمضان 2024؛ الموسم الدرامي الذي تحيط به التحديات من جميع الاتجاهات، سواء السياسية والاقتصادية أو الاجتماعية. ففي الوقت الذي ينشغل فيه الجمهور بالأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها البلاد، وحرب الإبادة الإسرائيلية في غزة، تدخل جهات الإنتاج الدرامي في مصر في رهان على جذب انتباه المشاهدين.
مسلسل الأزمة الاقتصادية ينافس دراما رمضان
الأزمة الاقتصادية الطاحنة في مصر تمثل أول التحديات التي تواجه الموسم الرمضاني الجديد، وتحولت إلى المسلسل الأطول والأكثر تراجيدية في حياة الجمهور المصري في الأشهر الأخيرة، وتؤثر مباشرةً في طريقة استقباله للأعمال الدرامية. ورغم أن التجارب الأخيرة في العرض، سواء في موسم رمضان الماضي أو بعض المسلسلات التي عرضت قبل بدايته، أثبتت أن الجمهور لم ينصرف تماماً عن الشاشة في ظل الأزمة الاقتصادية، إلا أن ردّ الفعل قد يختلف في أي لحظة خلال موسم رمضان، في ظل تزايد آثار الأزمة الاقتصادية على الحياة اليومية للمصريين.
يخشى المنتجون هذه المرة من تزايد الانتقادات الموجهة إلى صناعة المسلسلات بسبب الحالة المزاجية العامة للجمهور، أو لأن معظم الأعمال من إنتاج الدولة نفسها. وتظهر تلك المؤشرات في حالة الفتور ناحية المقاطع الدعائية لمسلسلات رمضان الجديدة على مواقع التواصل، على غير عادة الجمهور في مثل هذا الوقت، أب قبل أيام قليلة من انطلاق موسم رمضان كل عام. فلا صوت يعلو حتى الآن فوق صوت غلاء الأسعار وتقلبات سعر الصرف والتطورات الاقتصادية المتلاحقة، التي أصبحت مليئة بالدراما المنافسة لدراما مسلسلات رمضان.
حرب غزة تلقي بظلالها على موسم رمضان
أضافت العدوان الإسرائيلي على غزة والمشاهد المأساوية اليومية من القطاع، تحدياً آخر أمام صناع المسلسلات، بعرض أعمالهم الترفيهية بكثافة في مثل هذه الظروف، ووسط مشاعر الغضب التي تسيطر على الجمهور في الفترة الحالية، التي قد تعمّق الفجوة بينهم وبين طبقة الفنانين، وربما تطورت إلى تدشين حملات مقاطعة وهجوم على أصحاب هذه الأعمال، وهو ما يتوقعه الفنانون بالفعل من الآن، وقد اتخذوا احتياطاتهم بغلق بعضهم خاصية التعليقات على المنشورات الدعائية للمسلسلات، خصوصاً أن الأعمال الدرامية أصبحت أكثر انعزالاً عن المجتمع وواقعه مع تزايد مستوى الرقابة وتحكم الأجهزة السيادية في صناعة المسلسلات.
فلا عجب أن قصص معظم الأعمال الرمضانية الجديدة تدور في أحداث رومانسية وكوميدية، وبعضها خيالي خارج الزمن مثل مسلسل "الحشاشين" لكريم عبد العزيز أو مسلسل "جودر- ألف ليلة وليلة" لياسر جلال، بما أن مسلسلات تُنتج بقرارات وغايات سياسية، حتى في ظل تحقيقها خسائر مادية مستمرة في المواسم الأخيرة، والدليل على ذلك، القرار الأخير بإنتاج مسلسل يتعرض للقضية الفلسطينية بعنوان "مليحة"، قبل أسابيع قليلة من موسم رمضان.
وتعوّل الجهات السيادية على هذا العمل من أجل تفادي أي موجة غضب على محتويات المسلسلات الأخرى، في ظل الحرب الوحشية على غزة، ولكن العمل نفسه قد يكون سبباً آخر لغضب الجمهور، بما أن قصة المسلسل تدور حول بطولة ضابط مصري ينقذ أسرة فلسطينية في وقت الانتفاضة، ما يجعل العمل بعيداً عن الأحداث الجارية في غزة واستمراراً لأعمال البروباغندا السياسية في الدراما المصرية بعد سلسلة "الاختيار".
إفلاس وشيك لصناعة المسلسلات في مصر
كل هذه الظروف السياسية قد لا تؤثر على صناعة الدراما في مصر بقدر ما ستفعله الأزمة الاقتصادية في الموسم المرتقب. ويعيش الموسم الرمضاني في السنوات الأخيرة بالقرار السياسي فقط، وهو في الواقع يلفظ أنفاسه الأخيرة بسبب التراجع المستمر في حجم الإعلانات على القنوات الفضائية، المملوكة في الأساس لشركة الإنتاج التابعة للدولة (المتحدة)، التي تواجه أزمة في توفير السيولة المالية لدفع رواتب النجوم وتحمّل تكلفة إنتاج المسلسلات.
لذلك تلجأ الشركة المتحدة إلى حلول مؤقتة لإطالة عمر صناعة الدراما قبل إعلان استسلامها، وفي مقدمتها تقليل عدد المسلسلات وعدد الحلقات في المسلسلات. ففي هذا العام تنتج "المتحدة" حوالى 8 مسلسلات من 15 حلقة فقط، من إجمالي 9 مسلسلات من إنتاج مباشر للشركة، مع الاعتماد على منتجين آخرين بعرض أعمالهم على قنوات "المتحدة" بما يقارب 9 مسلسلات، وهو عدد أقل من حجم إنتاج الموسم الماضي، الذي أنتجت به "المتحدة" بمفردها ما يقارب 11 مسلسلاً، من بينها 6 مسلسلات فقط من 15 حلقة، وهو عدد أقل من العام قبل الماضي أيضاً.
ويشهد هذا العام غياب عدد من الشركات التي كانت تعمل مع "المتحدة" في موسم رمضان مثل شركة فنون مصر، والمنتج ممدوح شاهين وكامل أبو علي وغيرهم، بالإضافة إلى شركة العدل غروب التي اكتفت بعمل وحيد هذا العام بعد اعتيادها المشاركة بـ 3 مسلسلات على الأقل كل موسم.
الحل الثاني لـ"المتحدة" يتمثل في بيع جميع أعمالها للقنوات الخليجية ومنصة شاهد VIP، لتغطية تكاليف إنتاج مسلسلاتها، ولكنها في النهاية عملية تساهم في زيادة حجم خسائرها، لانصراف المشاهدين عن قنوات "المتحدة" ومنصاتها إلى "شاهد"، التي تدخل المنافسة مع قناة MBC مصر السعودية، بحجم إنتاج أعلى من الموسم الماضي، بأكثر من 7 مسلسلات مصرية حصرية في رمضان.
تتضاءل قدرة الجهات المُحتكرة للإنتاج الفني في مصر على تجاهل علامات الانهيار والإفلاس عاماً بعد عام، مع انفتاح سوق الإنتاج في السعودية، وعزوف المنتجين عن العمل تحت مظلة المتحدة في موسم رمضان هرباً من الخسارة الحتمية، ويبقى أمر إعلان استسلام صناعة الدراما المصرية رهن قدرة الجهات السياسية على تحمّل الخسائر والتكاليف الباهظة لاحتكار الصناعة، ورهن جدوى حلولها المؤقتة لإطالة عمرها ظاهرياً.