الدراما الفلسطينية... أعمال لم ترَ النور

07 نوفمبر 2022
المخرج الفلسطيني سعود مهنا (فيسبوك)
+ الخط -

يحرِم غياب الإنتاج الفنانين الفلسطينيين في قطاع غزة من الوقوف أمام الكاميرا لأداء أدوارهم التمثيلية في مختلف المنتجات المرئية من سينما أو تلفزيون أو غيرها من المقاطع المصورة والتي يتم بثها عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
ويشتكي عدد من الكُتاب والمخرجين، أصحاب الأعمال الفنية المؤثرة، من بقاء نسبة كبيرة من الأفكار والأفلام وحتى المُسلسلات الكاملة، الجاهزة للتصوير، حبيسة الأدراج، بفعل غياب الاهتمام الرسمي، إلى جانب عدم انجذاب أصحاب رؤوس الأموال إلى إنتاج تلك المواد، صاحبة التكلفة المرتفعة.
وتتجمع، وفق المختصين، عدة عوامل تتسبب بذلك الركود في السوق السينمائي والدرامي والتلفزيوني الفلسطيني، تتمثل في غياب الدور الرسمي في رعاية الإنتاج المرئي بالشكل المطلوب، إلى جانب عزوف الشركات والمؤسسات الاقتصادية الكبيرة عن رعاية أو تمويل أو حتى الاستثمار في الأعمال الفنية المرئية، في ظل عدم وجود مسارح أو سينما في القطاع المُحاصر إسرائيليًا منذ 16 عامًا.
ولم يُبصِر المشروع الفني الخاص بتسجيل الذاكرة الفلسطينية النور، وفق تعبير المُخرج الفلسطيني سعود مهنا، الذي كان يختص بالحديث عن مراحل هامة في القضية الفلسطينية، وذلك بسبب غياب الإنتاج والدعم الخاص بالمواد المرئية، كذلك فيلم "أبو عمار يعيش فينا"، الذي يتحدث عن الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات الإنسان، وتعامله اليومي مع عموم الناس.
ويقول المُخرج مهنا لـ "العربي الجديد" إن معضلة الأوضاع الاقتصادية، وغياب الدعم، وعدم انجذاب أصحاب رؤوس الأموال للإنتاج، تسبب في غياب العديد من الأعمال القوية والمُلهِمة عن الشاشة، مثل الفيلم الخاص بسفينة "مافي مرمرة" التُركية التضامنية، التي هاجمتها البحرية الإسرائيلية، في أواخر شهر مايو/ أيار عام 2010، قرب شواطئ قطاع غزة، واستشهاد 10 نشطاء أتراك، والذي لم ير النور، إذْ كان من المقرر أن يكون فيلمًا روائيًا طويلًا، يتجمع خلال أحداثه عدد من الشباب من بلدان مختلفة، يحملون أحلامهم، ويذهبون لمؤازرة غزة، إلا أنهم يفاجأون بالهجوم الإسرائيلي الدموي.
وكانت الشاشة الصغيرة كذلك على موعد مع مسلسل "الكوشان"، والذي تم كتابته بشكل كامل، والاتفاق مع الممثلين وتحديد مواقع التصوير، وفق تعبير مهنا، ويتحدث المسلسل عن تهجير الفلسطينيين من مدنهم وقراهم عام 1948م على أيدي العصابات الصهيونية، ويُصَوِّر اللحظات الأولى لدخول اللاجئين إلى قطاع غزة، وما لحق بهم من خسائر، وفقدان للأهل والأطفال والأموال والذهب، علاوة على تجسيد أصغر التفاصيل المُتعلقة بمرحلة النكبة، وهي المرحلة الأكثر صعوبة في التاريخ الفلسطيني، فيما لم يغفل العمل خلال أحداثه عن تصوير الأمل في العودة.
وبات توقف الأعمال الفنية بعد تجهيزها، جزءًا من صناعة العمل الذي يبدأ بإيجاد الفكرة العامة التي تناقش موضوع الفيلم أو المسلسل، وتطورها إلى سيناريو، يتم مناقشته مع نُقاد وفنانين ومختصين، ومن ثم التنسيق مع الفنانين لتقسيم الأدوار فيما بينهم. ويقبل العديد منهم العمل بدون أي مقابل مادي، وصولًا إلى المرحلة الأكثر حساسية، والتي تتطلب الدعم المادي لتوفير مُعِدات التصوير والإضاءة والديكور والملابس والمستلزمات اللوجستية والمواقع والسيارات، إذْ يتجه صُناع العمل إلى القنوات والبنوك أو المؤسسات أو الشركات الكبرى لرعاية العمل، ولكن تُقابَل طلباتهم بالرفض لاعتبارات تجارية، كذلك لعدم فهم المعنى الحقيقي لتأثير السينما والتلفزيون.

سينما ودراما
التحديثات الحية

وتمتلك المخرجة الفلسطينية ريما محمود مكتبة من الأعمال الجاهزة للتنفيذ، والمتوقفة بسبب غياب التمويل، إذْ انتهت من تجهيز فيلم "مش مجرد رقم"، والذي يتناول الحرب الأخيرة على قطاع غزة، ويتضمن العديد من القصص التي توضح أن الضحايا عبارة عن أشخاص لديهم أحلام وطموحات، وأنهم ليسوا أرقامًا يتم تداولها عبر نشرات الأخبار، كذلك أتمت تجهيز وثائقي عن "غزة من الجانب الآخر"، ويتناول الجانب المُشرق للقِطاع المُحاصر، إلى جانب أعمال مجتمعية تتحدث عن اللقيطات ونظرة المجتمع إليهن، وهجرة الشباب ومُسبباتِها.
وتقول المُخرجة لـ "العربي الجديد" إن هناك عوامل ومُحدِدات كثيرة تجمعت لوقف العديد من الأعمال الفنية المكتوبة، والمتوقفة على كلمة "آكشن"، وهي الكلمة التي تشي ببداية التصوير، ومن أبرز تلك المُعيقات، عدم وجود التمويل، ويرجع ذلك إلى النظرة التجارية للعديد من أصحاب رؤوس الأموال، كذلك غياب الدعم الرسمي للأعمال السينمائية والدرامية والجهات المعنية برعاية العمل من بدايته حتى نهايته، علاوة على النظرة الحزبية للأعمال، إذ تدخل كذلك في إمكانية دعم أو رفض دعم العمل.
وتبين ريما أن المُخرجين يصنعون العديد من الأعمال على نفقتهم الشخصية، ويشاركون بها في المهرجانات المحلية على أمل تكوين نظرة عامة حول أهمية الأعمال المرئية، إلا أن الأمر بات مرهقًا، خاصة في ظل السياسة المُتبعة من الشركات والمؤسسات، والتي تُدير فيها ظهرها عن رعاية الأعمال، على الرغم من الرعاية السخية التي تمنحها ذات الجهات، لبعض الأعمال الخارجية.
أما المُخرج الفلسطيني زهير البلبيسي، فيوضح أن هناك الكثير من السيناريوهات والأعمال التي يُمكن أن تُغني الدراما الفلسطينية، بمواضيع تهم القضية، والحالة الاجتماعية، إلا أنه لم يتم إنتاجها نتيجة الظروف الإنتاجية السيئة، وغياب الجهات أو الشركات المسؤولة عن الإنتاج.
ويلفت البلبيسي خلال حديث مع "العربي الجديد" إلى زاوية أخرى من الأزمة، وهي صناعة بعض الأعمال، مثل فيلم "الأباتشي" الذي يتحدث عن الحالة الاجتماعية، وتم إنتاجه بشكل مكلف، إلا أنه لم ير النور كذلك، بسبب عدم استعداد أي جهة لتعويض جزء من الإنتاج المدفوع، وقد بقي الفيلم حبيس الأدراج، مبينًا أن التوقف طاول كذلك الجزء الثاني من مسلسل "قبضة الأحرار"، والذي تم بث الجزء الأول منه خلال شهر رمضان الماضي، وذلك "نتيجة غياب الإنتاج لهذا العام، وعدم توفر الميزانية، توقف العمل حتى اللحظة".

ولم يسمح غياب الإنتاج حتى بصناعة حلقات مجتمعية لبثها عبر "اليوتيوب" أو مواقع التواصل الاجتماعي، وفق تعبير البلبيسي، على الرغم من أهمية الأعمال الفنية التي تجسد تفاصيل المُعاناة والمظلومية الفلسطينية الحقيقية، في الوقت الذي يُخصص فيه الاحتلال الإسرائيلي ملايين الدولارات للإنتاج الدرامي، لخلق حالة من التعاطف، بعد ترويج وتسويق أفكاره وأكاذيبه للعالم الغربي.

المساهمون