عند البحث عن رقم دقيق لعدد الصحافيين الذين قتلوا منذ بدء الحرب الروسية على أوكرانيا، يبدو الحصول على جواب واضح شبه مستحيل. هل هم ستة، كما تقول "رويترز"؟ أم 7، بحسب منظمة مراسلون بلا حدود؟ أم 13 إذا ما احتسبنا معهم الصحافيون ــ المواطنون؟ أم أن الرقم الحقيقي هو ما أعلنته الحكومة الأوكرانية الإثنين عن مقتل 18 صحافياً في البلاد منذ بدء الحرب؟ إذ ذكرت وزارة الثقافة والإعلام الأوكرانية، في بيان لها، أن 13 صحافيا آخرين أصيبوا، و8 اختطفوا أو أسروا، بالإضافة إلى 3 صحافيين في عداد المفقودين.
هذا الغموض حول عدد الصحافيين ضحايا الحرب، قد يشرح الكثير عن غموض آخر يلف حقيقة ما يجري في الأحياء والمدن التي لا يدخلها سوى عدد قليل من الصحافيين، وحول العدد الحقيقي للضحايا المدنيين الذين سقطوا حتى الآن.
لكن الصحافيين القتلى ليسوا وحدهم ضحايا آلة القتل الروسية، بل إن صحافيين آخرين نجوا من الموت وخرجوا إلى الضوء مجدداً ليحكوا قصتهم، قصة اقترابهم من الموت ثّم نجاتهم.
قبل أيام قليلة نشرت منظمة مراسلون بلا حدود شهادة متعاون ومترجم مع راديو فرنسا، أطلقت عليه اسم نيكيتا (وهو اسم مستعار حفاظاً على سلامته). تحدّث الشاب (32 عاماً)، عن اختطافه من قبل القوات الروسية وتعذيبه لمدة 9 أيام ثمّ إطلاق سراحه.
بحسب المنظمة، اختطفت القوات الروسية نيكيتا في 5 مارس/ آذار الماضي من وسط أوكرانيا، وخلال 9 أيام قضاها في الغابة ثم في قبو جليدي، تعرض للضرب بقضيب حديدي، وللتعذيب بالكهرباء، وللإعدام الوهمي. وقالت مراسلون بلا حدود إنها تأكدت من المعلومات التي رواها نيكيتا قبل نشر شهادته، من خلال التدقيق في الرواية مع عائلته ومع معتقلين كانوا موجودين معه، وتقرير طبي.
يقول الشاب إنه كان في رحلة سريعة وسط أوكرانيا للاطمئنان على عائلته، وكان يقود سيارة مكتوباً عليها "صحافة"، تعود لفريق راديو فرنسا. في الطريق تعرض لكمين من قبل وحدة استطلاع روسية أطلقت ما بين 30 و40 طلقة على سيارته رغم أن علامة الصحافة كانت واضحة عليها. وبعد اصطدام السيارة بشجرة، هجم عليه الجنود وفتشوه وضربوه بينما كان هو يكرر القول إنه مدني.
في الشهادة نفسها، يتحدّث المترجم الأوكراني عن التعذيب الذي تعرض له، من ضرب، وتهديد بقطع وجهه، مؤكداً أن الجنود كانوا يكررون عملية الإعدام الوهمي، حيث يتظاهر جندي روسي بأنه يتأكد من حسن عمل بندقيته فيطلق رصاصة وهمية (غير قاتلة) لتصيب رأس نيكيتا. وبعد أيام ثلاثة قضاها مقيداً في البرد إلى شجرة في الغابة نقل إلى قبو جليدي. هناك أجبره الجنود على كتابة وتوقيع خطاب يعلن فيه دعمه للجيش الروسي وغزو أوكرانيا. وقد بقي، ومعه مدنيان آخران، في القبو الذي امتلأت أرضيته بالماء. وفي 10 مارس، نُقلوا إلى قبو منزل آخر، حيث انضم إليهم سجين رابع، هو موظف حكومي أوكراني كبير سابق.
انتهى الكابوس في 13 مارس، عندما اقتيد نيكيتا مجدداً إلى الغابة، حيث ظن أنهم سيعدمونه، وتركوه هناك.
يتحدّث المترجم الأوكراني عن التعذيب الذي تعرض له، من ضرب، وتهديد بقطع وجهه
تشرح مراسلون بلا حدود أنه بدأت رحلة البحث عن نيكيتا بعدما أبلغها راديو فرنسا في 8 مارس أنه مفقود. وإثر إطلاق سراحه اتصلت به المنظمة عبر مركز حرية الصحافة الذي افتتح أخيراً في لفيف. وبعد التحقق من شهادته، تخطط المنظمة الحقوقية (مقرها باريس) لرفع قضيته إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كمتابعة للشكويين اللتين قدمتهما بالفعل إلى المدعي العام في 4 و16 مارس حول تعذيب القوات الروسية الصحافيين وقتلهم. وقال الأمين العام للمنظمة كريستوف ديلوار "لقد قدم لنا نيكيتا شهادة مروعة تؤكد حجم جرائم الحرب التي ارتكبها الجيش الروسي ضد الصحافيين ... ونقل شهادته إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية هو أقل ما يمكننا القيام به لهذا الشاب الشجاع".
تشبه قصة نيكيتا قصصاً أخرى رواها صحافيون أوكرانيون أو أجانب عملوا في مختلف المدن الأوكرانية منذ بدء الحرب. ولعل أشهرهم هو الصحافي الأوكراني أوليغ باتورين، الذي اختطفه الجيش الروسي هو الآخر لمدة 8 أيام، وأطلق سراحه في 20 مارس، وتعرّض لتعذيب متواصل، إذ قال بعد خروجه مباشرة "لقد أرادوا تحطيمي، والمشي فوق جثتي، لأكون عبرة لكل صحافي، كل واحد فينا معرّض للقتل".
قصة نيكيتا وقصة باتورين خرجت إلى العلن، بينما تتخوف المنظمات الحقوقية، وبينها لجنة حماية الصحافيين، التي نشرت مطلع في الشهر الحالي نداءً لإطلاق سراح رئيس تحرير موقع Kherson Newscity المحلي الأوكراني، بعد اختطافه من قبل القوات الروسية وانقطاع أخباره بشكل كامل.