"التراجع": الواقع النفسي للمرأة كجوهر للعمل الدرامي

03 ديسمبر 2020
نيكول كيدمان في المسلسل (يوتيوب)
+ الخط -

عُرِضَت يوم الإثنين الماضي الحلقة الأخيرة من مسلسل "التراجع" أو The Undoing، المؤلّف من 6 حلقات على شبكة "إتش بي أو" HBO، للمخرجة الدنماركيّة سوزانا بير، ومن بطولة أساسية للممثلة نيكول كيدمان، أمّا كاتب النص فهو السيناريست الأميركي دايفيد إي كيلي. سبق لكيلي أن عمل على مسلسل آخر هو "أكاذيب صغيرة كبيرة" Big Little Lies المؤلّف من جزئين، والذي أنتجته أيضًا شبكة HBO. العملان يحملان نفس الروح تقريبًا، والمثير أنّ كيدمان كانت أساسية في بطولة "أكاذيب صغيرة كبيرة" أيضًا. هذه الروح التي يمكن أن توصف بأنّها دراما اجتماعيّة نقدية من وجهة نظر نسويّة حقيقية، بمعنى دراما لا تدور حول المرأة كانعكاس لوجود الرجل البطل، أو كتداع جانبي لمركزيّته في النص الدرامي، بل الواقع النفسي الداخلي للمرأة كجوهر وموضوع النص نفسه، هذا بالضبط ما يجمع بين "التراجع" و"أكاذيب صغيرة كبيرة". 

"التراجع" هو دراما اجتماعيّة دقيقة ترصد تفاصيل جريمة قتل في المجتمع المخملي في نيويورك. وطبعًا لا قلق عند قراءة هذا النص من أي "حرق للأحداث" لأنّ التفاصيل في العمل واضحة من الحلقة الأولى. نيكول كيدمان "غرايس"، بطلة العمل الرئيسيّة، هي معالجة متخصصة في العلاج النفسي السلوكي ومتخرجة من جامعة هارفرد، وهي ابنة رجل أعمال أميركي لا حدود لثرائه. كيدمان متزوّجة من رجل "جوناثان" (يؤدّي دوره الممثل هوغ غرانت) ينحدر في العمل من طبقة اجتماعيّة أدنى نوعًا ما. "جوناثان" طبيب مختصّ بالأورام السرطانية لدى الأطفال، ولدى "غرايس" و"جوناثان" طفل هو "هنري".

في هذا المجتمع المخملي النيويوركي، القائم على السيارات التي يوجد أناسٌ متخصصون لفتح أبوابها، واللوحات الفنية المميزة والحماية الأمنية والرفاه المطلق، تقعُ جريمة وحشيَّة تصبح حديث الإعلام في كلّ أنحاء الولايات المتّحدة الأميركية. إذ تقتل امرأة تدعى "إلينا ألفيس" (تؤدّي دورها الممثلة ماتيلدا دي أنغلس) بوحشيَّة في مرسمها في أحد أحياء نيويورك. و"إلينا" فنانة شابة ساحرة الجمال وتمتلك حضورًا مغناطيسياً جاذبًا للرجال. المشتبه به الوحيد في هذه الجريمة هو "جوناثان" الذي يختفي ليلة وقوعها، مع تركه أدلّة لا يمكن إخفاؤها في مسرح الجريمة كحمضه النووي وصوره على كاميرات المراقبة. تفاصيل الجريمة ليست مهمة في العمل، إذْ هو لا يدور أبدًا حول البوليسيّة وعلم الجرائم، التشويق فيه من نوعٍ آخر.  

سينما ودراما
التحديثات الحية

المسلسل فعليًا يدور حول هذه المحاكمة والصراع داخل شخصية نيكول كيدمان. "غرايس" بحركاتها الهادئة وذهنها الحاد تعيشُ تفاصيل الصراع بين الاستسلام لشعور الحفاظ على العائلة والإدلاء بشهادتها لصالح "جوناثان" من جهة، والإخلاص لقيمها على شكل إقرارٍ بالمسؤولية المباشرة لزوجها في الجريمة ضدّ الفنانة الشابة من جهة أخرى. كما أنَّ ثمة خيطًا خفيًا ينشأ بين "غرايس" و"ألفيس"، زوجة القاتل وضحيّته، رغم أنّ "ألفيس" تختفي من الحلقة الأولى. العمل فعليًا يرصد التحوّلات النفسية لدى المرأة عند الأزمات، والمداخل التي يمكن أن يتّخذها رجل وسيم معسول اللسان مثل "جوناثان" يعرف نقاط ضعف المجتمع المخملي جدًا، وقادرٌ على التلاعبُ بمشاعر "غرايس".  

قوّة العمل قادمة برأيي من جودة النص، وإظهار الصراع بشكله المركب، كيف أنّ النسوية يمكن أن تذوب في الطبقية، بمعنى: أنَّ الحفاظ على المكاسب الطبقية والاستقرار العائلي، ممكن أن يتغلّب على عدالة المشاعر النسوية داخل المرأة. ولا  مجازفة في القول بأنّ أداء نيكول كيدمان شديد الدقة والاحترافية في تجسيد هذا الدور النصّي المركّب. وبالتأكيد لن أفسد تفاصيل مرافعتها الأخيرة أمام المحكمة، فهي برأيي من أهمّ اللحظات في العمل، حيثُ تنظر "غرايس" لأوّل مرّة إلى "جوناثان" وتقول الحقيقة. مرافعة تشبه بملحميتها محاكمة "تايرون لانستر" في "صراع العروش"، لما اتّهم بمقتل ابن اخته "سيرسي" حيث صرخ: "أنتم تحاكمون العلاقة ولا تحاكموني".

المساهمون