"ماريان خوري مديرة فنية وليست مديراً فنياً". تعليق فيسبوكي لي ردّاً على نشر وإعادة نشر خبر تعيين المنتجة والمخرجة المصرية ماريان خوري في منصب الإدارة الفنية لـ"مهرجان الجونة السينمائي". فالبيانات الصحافية المصرية برمّتها مليئة بأخطاء في اللغة والصرف والنحو، وجاهلة حدّاً أدنى من قواعد اللغة العربية. لكنّ المأزق كامنٌ في بعض زملاء المهنة وزميلاتها، ممن يُعيدون نشر تلك البيانات من دون تدقيق أو تصحيح.
تذكير منصبٍ أو مهنة يكونان لإمرأة استكمالٌ لسطوة ذكورية عربية، يبدو أنّ القضاء عليها شبه مستحيل، طالما أنّ هناك أمّهاتٍ عربيّات لا يزلن، إلى الآن، يربّين الابن بطريقة مختلفة تماماً عن تربيتهنّ الابنة. لكنّ مواجهة هذا مطلوبة، وإنْ تحمل ردودٌ على ذلك سخرية وادّعاء معرفة، وكلاماً يخلو من أي فهمٍ أو اطّلاع. المأزق أنّ هناك تناقضاً واضحاً في بيانات كهذه، تقول إنّ ماريان خوري "مدير فني"، بينما يُكتب أنّ ماريان خوري، أو أي سيدة/آنسة أخرى، منتجة ومخرجة. على ماذا يدلّ هذا؟ الإجابة واضحة.
المسألة جدّية، فهذه تفاصيل أساسية تكشف شيئاً من تفكيرٍ جماعيّ في مجتمعات مُصابة بأعطابٍ كثيرة، وهذه أحدها. "كاتبو" تلك البيانات، أو كاتباتها، غير منتبهين وغير مكترثين، فنمط التربية الذكورية، في العائلة والمدرسة والحياة اليومية، فاعلٌ بقوّة في ممارسة هذا النوع من الكتابة/السلوك. رجال كثيرون، في مواقع مختلفة من المناصب الإدارية والتعليمية والحياتية، فرحون بهذا، لتأكيد سطوتهم في شؤون عامة وخاصة. والأسوأ، أنّ عاملين وعاملات في الثقافة والفنون يُكملون هذا، أقلّه في نشر بيانات تُلغي تاء التأنيث من منصب/مهنة امرأة، أو أقلّه من منصبها فقط.
حتى مفردة "نائبة"، يرفضها كثيرون وكثيرات ظنّاً منهم أنّها تعني مُصيبة فقط. لماذا لا يُقال عن النائب، المفردة ومعظم "المُنتَخَبين" (!)، إنّه مصيبة؟ هؤلاء يبنون سخريتهم وموقفهم على كلمة واحدة، تُثير إشكالاً ما ربما، لكنّها تمتلك أكثر من معنى، وعليها ألاّ تحول دون اعتماد التأنيث في منح المرأة صفتها/منصبها ما هما عليه فعلياً. بولا يعقوبيان (وغيرها) نائبةٌ في مجلس النوّاب اللبناني، لا نائب. ألنْ يُقال إنّها وزيرة، إنْ تُعيَّن وزيرة في حكومة لبنانية ما؟
أمرٌ آخر يُشبه، إلى حدّ ما، مأزقاً كهذا. فهناك أناسٌ، بينهم نساء/آنسات، يسخرون ممن يُصرّ على كتابة مخرج/مخرجة، أو كاتب/كاتبة، أو فنان/فنانة. يظنّ هؤلاء أنّ كتابةً كهذه تدّعي دفاعاً عن المرأة، بينما بعض المُصرّين على استخدام هذا في الكتابة يُؤكّد موقفاً يمارسه في حياته اليومية، ويواجه حالة، وإنْ يكن استخدامٌ كهذا أضعف من أنْ يُغيّر شيئاً، خاصة أنّ نساء عديدات يسخرن من هذا أيضاً. موقفٌ منبثق من وعي بأهمية التعامل مع المرأة أولاً، ومع مناصبها ومهنها، بسوية واحترامٍ، ومع اللغة العربية أيضاً. فإلغاء التأنيث منها إهانة لها ولما فيها من جمالٍ، رغم أنّها محتاجة إلى تأهيل، يُقرّبها أكثر من واقع الحياة الآنيّة، وتقنيات العصر، وهذا موضوع يحتاج إلى نقاشٍ آخر.
هذا لا يعني أنّ من يحترم التأنيث في اللغة العربية، ويحترم المرأة أولاً في حياتها اليومية واشتغالاتها المختلفة، يُعاملها، في السينما مثلاً، بتمييزٍ لأنّها امرأة فقط. هذه مُصيبة أسوأ من السابق كلّه. أنْ تكون المرأة مخرجة أو ممثلة أو مُصوّرة سينمائية، أو عاملةً في أي فنّ وتقنية سينمائيّين، غير فارضٍ على ناقدٍ تمييزها عن رجل يعمل في المهن نفسها، لأنّها امرأة. "التمييز"، إنْ يحقّ لي استعمال هذه الكلمة، نابعٌ من الفيلم السينمائي نفسه، فقط لا غير. هذا دافعٌ لي إلى انتقاد ما تفعله مهرجانات وجهات سينمائية في الغرب، عند سعيها إلى "توازنات" في اختياراتها بين الرجل والمرأة كيفما يكن، بينما المرأة لا تزال "أقلّ مستوى" في هوليوود مثلاً من الرجل، في حقوقها المالية وغير المالية.
هذا مرفوض. لكنّ سلطة الرجل، رغم تغييرات غير كافية، أقوى من أنْ يؤذيها تغيير طفيف في التعامل مع المرأة. أمّا مسألة التطرّف في الدفاع عنها، على طريقة "مي تو"، فمؤذية للمرأة أكثر من إفادتها.
السابق ملاحظات، لا أكثر. أو بالأحرى بوحٌ يُعبِّر عن رأي وشعور شخصيّين.