البطالة تُغرِق خريجي الصحافة والإعلام في غزة

03 اغسطس 2022
مستويات البطالة في غزة من بين الأعلى في العالم (مؤمن فايز/ Getty)
+ الخط -

لم تتمكن الفلسطينية سهى مرتجى من العمل في تخصصها بعد عامين من تخرجها من الجامعة الإسلامية في قسم الصحافة والإعلام في مدينة غزة، بفعل انعدام الفرص المتاحة، في ظل الأعداد الكبيرة للخريجين سنوياً. ويتشارك في الأزمة مع مرتجى آلاف الخريجين والخريجات، الذين باتوا يصطدمون بالفجوة الكبيرة الحاصلة بين الأعداد التي تخرجها الجامعات الفلسطينية في قطاع غزة وحاجة سوق العمل.

تتعدد أسباب أزمة التشغيل الخاصة بخريجي أقسام الإعلام المتنوعة، إذ يتم قبول الطلبة فيها بشروط متدنية، في ظل تعدد التخصصات الإعلامية، فيما لا يُلزم القانون الفلسطيني وسائل الإعلام المحلية بأن يكون المتقدم لشواغر وظيفة المُحرر أو المراسل أو المصور حاصلاً على شهادة في الصحافة والإعلام، والاكتفاء بأن يكون المتقدم للوظيفة مكتسباً لملكة الكتابة، أو مُلِماً بالفنون الصحافية التي يمكنه التعرف عليها من خلال الدورات التدريبية أو حتى المعرفة العامة. وتُرجع الجامعات الفلسطينية الأسباب الخاصة بافتتاح تخصصات متنوعة وجديدة في الصحافة والإعلام إلى مواكبة التطور في عالم الإعلام الجديد، ومواقع التواصل الاجتماعي، إلى جانب تحسين قدرات الكوادر الإعلامية الجديدة للمُنافسة على الوظائف.

تقول مرتجى، لـ"العربي الجديد"، إنها تحملت مشقة الدراسة والتكاليف المرتفعة، في سبيل الحصول على مهنة تمكنها من تحقيق ذاتها، وتحقيق الحلم الذي راودها منذ الطفولة بأن تصبح اسماً لامعاً في عالم الإعلام، إلا أنها فوجئت بواقع صعب. وتضيف أنها لم تتوقع يوماً أن تكون في عداد العاطلين عن العمل. وتقول: "كان من بين أحلامي أن أتطرق في مواضيعي إلى قضايا الفقر والبطالة ومعاناة الناس، إلا أنني أصبحت جزءاً من المشكلة التي طاولت نسباً كبيرة من الخريجين والخريجات".

يُرجع أستاذ العلاقات العامة والإعلان في عدد من الجامعات الفلسطينية، زهير عابد، سبب الأزمة إلى الفجوة الكبيرة بين أعداد الخريجين من تخصصات الصحافة والإعلام وبين القدرة الاستيعابية على التوظيف، فيما تطلق بعض الجامعات وعوداً غير صادقة، توهم الطلبة بحياة وردية فور التخرج، لكنهم يفاجأون بواقع صعب، وسوق عمل شحيح. ويوضح عابد، لـ"العربي الجديد"، أن قطاع غزة لا يمتلك المؤسسات الإعلامية المرئية والمسموعة والإلكترونية الكافية لاستيعاب أعداد الخريجين، فيما تعمل الجامعات على استيعاب وتخريج الطلبة من مختلف التخصصات الإعلامية، من دون النظر إلى الحاجة الحقيقية لسوق العمل. ويلفت إلى أنّه لا إيمان قطعياً أو حتى بسيطاً بأهمية العلاقات العامة، ودورها في المؤسسات، إذ يعين موظف العلاقات العامة بعيداً عن التخصص، وكذلك باقي الشواغر الإعلامية، ما يزيد من حدة الأزمة.

ويردّ الأزمة كذلك إلى قبول أعداد طلاب في التخصصات الإعلامية فوق القدرة الاستيعابية للسوق، في ظل قلة المؤسسات الإعلامية المتوفرة، إلى جانب الدبلومات (دراسة التخصص في عامين) التي تنافس البكالوريوس، والذي يمضي فيه الطالب أربعة أعوام، علاوة على إغلاق السوق العربي الخارجي، نتيجة سياسة إحلال العمالة المحلية.

تشير وزارة العمل في غزة إلى أنّ نحو 7 آلاف خريج من تخصص الصحافة والإعلام عاطلون عن العمل، فيما أظهرت إحصائية سابقة، نشرها الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، أن معدل البطالة للأفراد بين 20 و29 عاماً، الحاصلين على مؤهل علمي في تخصص الصحافة والإعلام في فلسطين، يبلغ 56% بين الذكور والإناث، أما في قطاع غزة، فترتفع النسبة إلى 76.3%.

عن ذلك، يوضح مدير دائرة التوجيه والإرشاد في الإدارة العامة للتشغيل في وزارة العمل، صالح صهيون، لـ"العربي الجديد"، أن نحو 300 ألف خريج وعامل ومهني (مختلف التخصصات) مسجلون على قواعد بيانات سوق العمل؛ 54% منهم خريجون، و43% عُمال، و3% مهنيون. تُقسم نسبة الـ54% المتعلقة بالخريجين، وعددهم نحو 162 ألفاً، إلى 39% لمهن التعليم العالي والأساسي ومختلف التخصصات التعليمية، و22% للمهن التجارية والإدارية مثل إدارة الأعمال والمحاسبة والسكرتاريا والتسويق والاقتصاد، تليها نسبة 10% لمختلف المهن الطبية، و8% لمهن التنمية الاجتماعية، و5.8% للمهن الهندسية، إلى جانب نسبة 5% لمهن الحاسوب والتكنولوجيا بمختلف تخصصاتها، و3% لمهن القانون، وأقل من 1% للمهن الزراعية والبيئية.

تصل نسبة خريجي التخصصات الصحافية وحدها، وفق صهيون، إلى قرابة 4.3%، بما فيها تخصصات العلاقات العامة، والصحافة والإعلام، والإذاعة والتلفزيون، والإنتاج والإخراج السينمائي والتلفزيوني. وتضم نسبة الصحافة نحو 7 آلاف خريج عاطل عن العمل.

ويبين صهيون أن الواقع المرير لا يتعلق بمهنة أو وظيفة محددة، إذ تجتاح البطالة مختلف التخصصات، ما يستدعي التحرك من متخذي القرار لإيجاد حل للتخصصات التي تعاني من التكدس، عبر إغلاق تلك التي تغرق السوق بأعداد كبيرة من الخريجين المتعطلين عن العمل، أو رفع درجات القبول، خاصة في ظل تواصل الحصار الإسرائيلي، وتداعيات جائحة فيروس كورونا، وعدم فتح أسواق خارجية أمام الخريجين، وقلة التوظيف الحكومي.

من ناحيته، يقول نائب نقيب الصحافيين الفلسطينيين، تحسين الأسطل، إنّ الجامعات الفلسطينية في قطاع غزة تضم نحو 25 قسماً وبرنامجاً تدريسياً في مجال الإعلام على صعيد درجتي الدبلوم والبكالوريوس، تخرج من خلالها ما لا يقل عن 200 طالب سنوياً.

ويوضح الأسطل، لـ"العربي الجديد"، أن نسبة كبيرة من عدد الخريجين سنوياً تلتحق في صفوف البطالة، بسبب الشرخ الحاصل بين أعداد للخريجين وحاجة سوق العمل، مشدداً على ضرورة إصدار القوانين التي تحدد طبيعة المتقدم للوظائف الإعلامية الشاغرة. ويلفت إلى أن فتح المجال أمام الخريجين من مختلف التخصصات، إلى جانب فتح العديد من الأقسام الخاصة بالعمل الإعلامي منذ عام 1994، ساهم في تكدس أعداد العاطلين عن العمل التي وصلت إلى ما يزيد عن ستة آلاف، ما بات يتطلب تدخلاً عاجلاً لمنع تدهور الأزمة.

ويشير نائب نقيب الصحافيين إلى أن القانون الفلسطيني والوسائل الإعلامية المحلية حتى اللحظة لا تشترط الحصول على شهادة متخصصة للعمل في المجال الإعلامي، ويمكن لخريج أي تخصص العمل في الصحافة، مؤكداً على ضرورة حصر الوظائف الإعلامية لحملة الشهادات الخاصة بتخصصات الصحافة والإعلام، ورفع الجامعات لمفاتيح الدخول للتخصصات الإعلامية لتقنين الأعداد، وفتح المختبرات الإعلامية لتخريج خريجين قادرين على الاندماج في سوق العمل. كذلك، يؤكد على ضرورة إصدار لوائح وقوانين واضحة لمنع التقدم لأي وظيفة إعلامية لغير الحاصلين على شهادات مُتخصصة في الصحافة والإعلام، إذ إنه من غير المعقول أن يدرس الطالب أربع سنوات، وينافسه شخص من تخصص آخر، داعياً خريجي التخصصات الإعلامية إلى النضال من أجل حقوقهم.

ويقول: "سنكون إلى جانبكم، وقد اتخذنا خطوة من طرفنا بعدم حصول أي صحافي من تخصص آخر على عضوية النقابة، قبل العمل في المجال لمدة أربع سنوات، بما يوازي البكالوريوس في المجال الإعلامي".

وفقاً للأمم المتحدة، فإنّ مستويات البطالة في غزة من بين الأعلى في العالم، حيث وصل معدل العاطلين عن العمل خلال الربع الأول من العام 2022 إلى 46.6% مقارنة بالمتوسط الذي كان يبلغ 34.8% عام 2006. ووصل معدل البطالة بين الشباب (15-29 عاماً) إلى 62.5 في المائة خلال الفترة نفسها.

المساهمون