"البجع الطائر" يعبر من جديد

22 نوفمبر 2022
أخرج الفيلم ميخائيل كالاتوزوف (Getty)
+ الخط -

عند عرضه الأول في عام 1957، شكل الفيلم الأسطوري "البجع الطائر" للمخرج السوفييتي الراحل، ميخائيل كالاتوزوف، كلمة جديدة في طريقة تناول أحداث الحرب العالمية الثانية (1939-1945) بعيداً عن جبهات القتال، مستعرضاً مختلف مظاهر الحياة اليومية، وقصة حب انقطعت بعد ذهاب بطل الفيلم بوريس، الذي أدى دوره أليكسي باتالوف، إلى الجبهة.
يبدأ الفيلم بمشهد لتجول بوريس وفيرونيكا التي أدت دورها تاتاينا سامويلوفا، على ضفاف نهر موسكفا، وهما يريان سرباً من البجع يحلق فوقهما، لكنّهما يعلمان في اليوم التالي ببدء ألمانيا النازية هجومها على الاتحاد السوفييتي، لتقلب الحرب حياتهما بلا رجعة. يتطوع بوريس للقتال في الجبهة قبل عيد ميلاد فيرونيكا بيوم، تاركاً لحبيبته دمية سنجاب على سبيل الهدية، بينما لا يتسنى لفيرونيكا توديعه. تتعرض موسكو للقصف، ويلقى والدا فيرونيكا مصرعهما. وتقبل في نهاية المطاف بالزواج من مارك، وهو أحد أقرباء بوريس، لكنّها لا تشعر بأيّ سعادة، مؤنبة نفسها على خيانة بوريس الذي لا تعلم أنّه قُتل في الجبهة.
ينتهي الفيلم بمشاهد الاستقبال المهيب للعسكريين السوفييت العائدين بعد انتهاء الحرب، وتأمل فيرونيكا في رؤية بوريس بينهم. لكنّها تعلم من أحد زملائه أنّه قتل، فتنهار باكية. وفي واحد من مشاهد الفيلم الأخيرة، تتأمل فيرونيكا ووالد بوريس في سرب من البجع يحلق فوق المدينة، في مشهد يعكس استمرارية الحياة.
يعتبر الباحث السينمائي، الأستاذ المساعد بمعهد السينما في موسكو "فغيك"، فسيفولود كورشونوف، أنّ "البجع الطائر" يتميز بتناوله أحداث الحرب من دون عرض مشاهد من الجبهة، وعدم سعيه، على عكس ما سبقه من الأفلام السوفييتية عن الحرب، إلى تصوير شخصياته وكأنّهم أبطال لا يخطئون. ويقول كورشونوف لـ"العربي الجديد": "رغم أنّ البجع الطائر فيلم عن الحرب، فإنّه يكاد يكون خالياً من مشاهد من الجبهة، وبطلته فتاة غير بطولية أخطأت ولم تنتظر حبيبها وتزوجت من غيره، فتعاقب نفسها بالشعور بالذنب، ولا تستطيع مواصلة حياتها بشكل طبيعي". ويلفت إلى أن "البجع الطائر" يتضمن مجموعة من مشاهد تدرَّس في جميع مدارس السينما حول العالم، بما فيها مشهد مقتل بوريس المصور من وجهة نظره؛ إذ نشاهد عينيه التي تحدق، خلال اللحظات الأخيرة من حياته، في سيقان أشجار البتولا، بينما يتخيل نفسه في حفل زفاف مع فيرونيكا. ويعلق كورشونوف على أهمية هذا المشهد الأسطوري، مضيفاً: "كان هذا المشهد ثورياً بمقاييس نهاية الخمسينيات والسينما السوفييتية التي كانت خالية في عهدي الواقعية الاشتراكية والستالينية من أيّ مظاهر للطليعة، وكأنّه عودة إلى طليعة السينما السوفييتية في العشرينيات".

ولعلّ هذه المشاهد الابتكارية والأداء العالي للممثلين، ساهمت في النجاح الكاسح لـ"البجع الطائر" سوفييتياً ودولياً، ليبقى حتى الآن الفيلم السوفييتي والروسي الوحيد الحاصل على السعفة الذهبية لمهرجان كانّ السينمائي في فرنسا عام 1958.
ومع حلول ذكرى مرور 65 عاماً على أول عرض للفيلم في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أعيد "البجع الطائر" إلى دور العرض الروسية بعد ترميمه، بالتزامن مع أحداث دراماتيكية تعيشها أوروبا على إثر اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، وسط سعي سكان موسكو وغيرها من المدن لمواصلة حياتهم اليومية بشكل طبيعي، رغم الظروف الراهنة.

المساهمون