دشن القسم الخامس في هيئة الاستخبارات العسكرية البريطانية (MI5) حساباً رسمياً على منصة "إنستغرام" في إبريل/نيسان الماضي، منضماً إلى وكالات استخبارات عدة حول العالم تجرب التطبيق الشهير الذي تملكه شركة "فيسبوك".
ويأمل الجهاز أن يدحض حسابه @Mi5Official الخرافات الشائعة حول أساليب التجسس، وأن يشرح ماهية عالم الاستخبارات للمتابعين، وأن يسلط الضوء على تاريخه.
MI5 هي وكالة الاستخبارات الأمنية المعنية بالأمن القومي في المملكة المتحدة. تعمل مع وكالات استخبارات أخرى كجهاز الاستخبارات السري (SIS) وجهاز الاتصالات الحكومي (GCHQ)، ووكالات فرض القانون، للتحري ولصد تهديدات عدة، وفقاً للموقع الإلكتروني الرسمي.
وأعلن المدير العام للوكالة، كين ماكالم، عن إطلاق حساب "إنستغرام" عبر عمود كتبه لصحيفة "ذا تيليغراف" البريطانية، قال فيه: "علينا تجاوز أي صور نمطية، عن طريق كشف المزيد عمّا يبدو عليه جهاز الأمن اليوم، حتى لا ينأى الأشخاص عن التقدم للعمل لدينا جرّاء الحواجز المتصورة، مثل الخلفية الاجتماعية والاقتصادية والعرق والجنس والإعاقة أو أي جزء من البلد صادف أنهم ولدوا فيه". وتأمل الوكالة أن يجذب "نهجها المفتوح" الجديد مجموعة متقدمين للعمل لديها أكثر تنوعاً.
في ملخص الحساب على "إنستغرام" حيث يكشف المستخدمون العاديون عن أماكن تواجدهم وهواياتهم واهتماماتهم، كتبت الوكالة: "نحن MI5. نحن نحمي المملكة المتحدة من التهديدات التي تترصد الأمن القومي". والمنشور الأول للحساب كان صورة "الكبسولات" أمام مدخل المقر الرئيسي للوكالة، في لندن، وتحديداً مبنى "تامز هاوس" Thames House. وأرفقت الصورة بتعليق: "ما سرّ التجسس الناجح؟ ضعوا في اعتباراتكم الزوايا كلها، لتمنحكم رؤية أوضح. خلف هذه الكبسولات تُحفظ أهم الأسرار في المملكة المتحدة". حصدت الصورة أكثر من 24 ألف إعجاب إلى الآن وأكثر من ألف تعليق.
وكشف جهاز الأمن الداخلي البريطاني أنه سيوفر "محتوى تفاعليا"، يتضمن جلسات يجيب فيها أفراد الوكالة عن أسئلة المتابعين.
في العمود الذي نشرته صحيفة "ذا تيليغراف"، تطرق ماكالم إلى المفارقة في إطلاق جهاز استخبارات حساباً على منصة للتواصل الاجتماعي سعياً وراء الشفافية، قائلاً إن هذه الخطوة أصبحت "روتينية لمعظم المؤسسات، لكنها أكثر إثارة للاهتمام لتلك العاملة في مجال حفظ الأسرار"، موضحاً أن "عملياتنا وطبيعة قدراتنا السرية لن تصبح كتاباً مفتوحاً، لكننا سنصبح مؤسسة أكثر انفتاحاً وترابطاً، ونتعلم باستمرار، ونجد طرقاً جديدة للاستفادة من التنوع والإبداع في الحياة في المملكة المتحدة".
MI5 ليست أول وكالة استخبارات حكومية تتجه نحو منصات التواصل الاجتماعي؛ "مقر الاتصالات الحكومية"، وهو أيضاً منظمة استخباراتية وأمنية بريطانية، انضم إلى "إنستغرام" عام 2018، لتسليط الضوء على "حياة ضابط استخبارات". كما أن لديه حسابا في موقع "تويتر". جهاز الاستخبارات البريطاني MI6 دشن حسابه على "تويتر" عام 2014، بمزحة جاء فيها: "لا يمكننا أن نؤكد أو أن ننفي أن هذه تغريدتنا الأولى".
في الولايات المتحدة الأميركية، غردت وكالة الاستخبارات المركزية CIA للمرة الأولى في 6 يونيو/حزيران عام 2014: "لا، لا نعرف أين توباك"، في إشارة إلى مغني الراب توباك شاكور الذي قتل بإطلاق نار عام 1996، لتنطلق النظريات التي تحلل هذه الجريمة. ونشاط الوكالة الأبرز على منصات التواصل الاجتماعي هو سلسلتها "ناس وكالة الاستخبارات المركزية" Humans of CIA التي تسلط الضوء على الحكايا الشخصية والحميمية لموظفيها، كتجاربهم المبكرة وتفاصيل عن شركائهم وعائلاتهم وهواياتهم، أي تلك التفاصيل التي تصرخ "نحن بشر مثلكم، انضموا إلينا".
وفي تصريح لصحيفة "نيويورك تايمز" أخيراً، قالت المتحدثة باسم الوكالة نيكول دي هاي إن الحسابات على منصات "فيسبوك" و"تويتر" و"إنستغرام" هدفها "إضفاء الطابع الإنساني" على وكالة الاستخبارات المركزية.
ووفقاً لدراسة نشرت في مجلة "الاستخبارات والأمن القومي" Intelligence and National Security، في مارس/آذار الماضي، فإن استخدام وكالة الاستخبارات المركزية لمنصات التواصل الاجتماعي يتجاوز أغراض العلاقات العامة والتوظيف، إذ يشكل "استمراراً لتدخلها في الثقافة الشعبية الأميركية، وهو أمر ضروري لإضفاء الشرعية على ممارساتها". أشارت الدراسة نفسها إلى أن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية رائدة في فن استخدام التغريدات المضحكة لتجنب الحديث عن تاريخها الطويل من العنف. ورأت أن الوكالة "تعطي الجماهير انطباعاً بأنها مؤسسة لا تدرك عيوبها فحسب، بل قادرة على التفكير فيها أيضاً (...) الفكاهة تكتيك تواصلي ناشئ يعمل على الحفاظ على السلطة ومقاومة السيطرة الديمقراطية".
وكالات استخبارات أخرى، بينها "مكتب التحقيقات الفيدرالي" الأميركي FBI، لديها حسابات نشطة على منصات "فيسبوك" و"تويتر" و"إنستغرام" و"يوتيوب" و"فليكر". أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي جزءاً من "إدارة الصورة والعلامة التجارية" لوكالات الاستخبارات حول العالم، وفق ما قال البروفيسور في "جامعة كولورادو سبرينغز"، مايكل لاندون موراي، في حديث لـ"نيويورك تايمز". وأوضح موراي أن "الكثير من ممارسات وكالات الاستخبارات تتسم بالقبح، ويمكن أن تكون منصات التواصل الاجتماعي وسيلة لرفع الغموض عن عملياتها وتلميع صورتها". وأشار إلى أن أولئك الذين يتابعون وكالات الاستخبارات على وسائل التواصل الاجتماعي يميلون إلى أن يكونوا إما داعمين تماماً أو مناهضين لها.
في العالم العربي لا يبدو أن أجهزة الاستخبارات دشنت حسابات رسمية لها على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، لكن محبيها والمطبلين لها تولوا المهمة، فأطلقوا حسابات تحمل أسماء مثل "محبي المخابرات المصرية" و"عالم المخابرات" و"محبي المخابرات العامة الأردنية".
ورغم أن كالات الاستخبارات التابعة للاحتلال الإسرائيلي لا تنشط عبر حساباتها الرسمية على منصات التواصل الاجتماعي (آخر منشور في صفحة الموساد الرسمية يعود لعام 2019)، لكنها أدركت باكراً أهمية الحضور الرقمي، فعززت مواقعها الإلكترونية الرسمية، ولم تتردد في إطلاق حملات على شبكة الإنترنت لاستقطاب عناصر جدد.
ولا تقتصر المسألة على منصات التواصل الاجتماعي، إذ يحاول الموساد منافسة شركات الاستخبارات الخاصة التي اكتسبت زخماً وحضوراً خلال السنوات الأخيرة. وقال جواسيس سابقون إن الوكالة تتبنى عدداً كبيراً من البرامج التلفزيونية والأفلام التي يمكن أن تنفخ فيها الروح مجدداً، وتحديداً تلك التي تعرض عبر منصات البث الرقمي مثل "نتفليكس" و"هولو" و"آبل تي في"، مثل "فوضى" (نتفليكس، 2015) و"الجاسوس" (نتفليكس، 2019) و"العلم المزور" (هولو، 2015) و"'طهران" (آبل تي في بلاس، 2020)، وفق ما نقلت صحيفة "واشنطن بوست" العام الماضي.