الاحتلال الإسرائيلي يشن عدواناً على الصحافة

04 نوفمبر 2023
الصحافيون يبكون زميلهم محمد أبو حطب بعد استشهاده الخميس (عبد زقوت/ الأناضول)
+ الخط -

"لا تحمينا هذه الدروع، ولا تحمينا هذه القبعات. إنها مجرد شعارات نرتديها فقط، ولا تحمي أي صحافي على الإطلاق... على الإطلاق. لا تحمينا هذه الدروع... هي شعارات فقط. نحن هنا ضحايا. ضحايا على الهواء مباشرة. نفقد الأرواح واحداً تلو الآخر بلا أي سبب. نمضي شهداء فقط مع فارق التوقيت. نحن ننتظر الدور واحداً تلو الآخر. زميلنا محمد أبو حطب كان هنا منذ نصف ساعة فقط، وغادرنا الآن هو وزوجته وابنه وأخوه وكثير من عائلته".

كانت هذه كلمات مراسل تلفزيون فلسطين سلمان البشر التي قالها بصوت تخنقه الدموع وهو يلقي درع الصحافة والخوذة أرضاً، بعد استشهاد زميله محمد أبو حطب وأفراد من عائلته مساء الخميس، بقصف إسرائيلي استهدف منزله في خان يونس، جنوب قطاع غزة.

كلمات سلمان البشر أفضل تعبير عن وحشية الاحتلال الإسرائيلي الذي يتعمد استهداف الصحافيين وعائلاتهم ومقرات عملهم، وسط عدوانه المتواصل على غزة الذي لم يسلم منه اللاجئون إلى المستشفيات والمساجد والكنائس. فقد أباد عائلات بكامل أفرادها، وفرض حصاراً مطبقاً على القطاع، فقطع عنه المياه والكهرباء، ومنع إدخال المساعدات الإنسانية؛ كلّ جرائم الحرب هذه تجري وسط صمت دولي ودعم أميركي غير محدود.

وفي ما يتعلق بالصحافيين، قصف الاحتلال الإسرائيلي، الجمعة، مكتب وكالة الصحافة الفرنسية (فرانس برس) وعدداً من المكاتب الصحافية في مدينة غزة، بينها "الجزيرة" و"عين ميديا". وأفادت "فرانس برس" بأن مكتبها في مدينة غزة "التي تتعرض لقصف إسرائيلي من دون هوادة أصيب بأضرار جسيمة بعد قصف طاوله".

و"فرانس برس" هي الوكالة الدولية الوحيدة التي تبث بشكل مباشر من مدينة غزة من دون توقف.

وقال المتعاون مع "فرانس برس" الذي تفقّد المكان صباح الجمعة إن قذيفة متفجرة يبدو أنها اخترقت غرفة الموظف التقني في مكتب غزة من الشرق إلى الغرب في الطابق الأخير من المبنى المؤلف من 11 طابقاً، ما دمّر جداراً في الغرفة وأوقع أضراراً بالغة في غرفتين مجاورتين. كما تسبّب عصف الانفجار في تضرّر أبواب غرف أخرى في الطابق، وأصاب خزانات مياه على سطح المبنى.

ودان رئيس مجلس إدارة "فرانس برس"، فابريس فريس، "قصف المكتب الذي مكانه الجغرافي معروف للجميع"، معتبراً أن "تداعيات هذه الضربة كان يمكن أن تكون كارثية لو لم يكن فريق الوكالة قد أُجلي من المدينة". ولم يكن أحد من فريق "فرانس برس" في غزة، المؤلف من ثمانية أشخاص، موجوداً في المكتب لحظة وقوع القصف. وانتقل صحافيو "فرانس برس" من مدينة غزة إلى جنوب القطاع في 13 أكتوبر/ تشرين الأول، بعد التحذير الإسرائيلي للمدنيين بإخلاء منطقة الشمال.

ورداً على سؤال لـ"فرانس برس"، قال متحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي إن أجهزته "تحقّقت من المعلومة مرات عدة"، وإن الجيش "لم ينفذ ضربة على هذا المبنى".

وهذا التصريح يأتي بعدما كان جيش الاحتلال الإسرائيلي قد زعم أنه لا يستطيع ضمان حماية الصحافيين الذين يغطون العدوان، وكتب، في 28 أكتوبر، رسالة إلى وكالتي رويترز وفرانس برس، بعد أن طلبتا ضمانات بألا تستهدف الضربات الإسرائيلية الصحافيين التابعين لهما في غزة.

وجاء في رسالة جيش الاحتلال أنّ "الجيش يستهدف جميع الأنشطة العسكرية لحماس على امتداد غزة"، زاعماً أن حركة حماس "تتعمد تنفيذ عمليات عسكرية على مقربة من الصحافيين والمدنيين". وادعى أنه "في ظل هذه الظروف، لا يمكننا ضمان سلامة موظفيكم، ونحثكم بشدة على اتخاذ جميع التدابير اللازمة لسلامتهم".

وقالت "رويترز"، في بيان رداً على تلقيها الرسالة: "الوضع على الأرض مروع، وعدم رغبة الجيش الإسرائيلي في تقديم ضمانات لسلامة فرقنا يهدد قدرتها على نقل أخبار هذا الصراع من دون خوف من الإصابة أو القتل"، علماً أن إسرائيل قتلت المصور الصحافي اللبناني العامل في "رويترز"، عصام عبدالله، بقصف استهدف جنوب لبنان في 13 أكتوبر.

وأكد مدير الأخبار العالمية في "فرانس برس"، فيل شيتويند، أنّ مؤسسته الإخبارية تلقت الرسالة نفسها، وقال: "نحن في وضع مخاطرة لا تصدق، ومن المهم أن يفهم العالم أنّ هناك فريقاً كبيراً من الصحافيين يعملون في ظروف خطورة قصوى".

واعتبرت منظمة مراسلون بلا حدود حينها أن "هذا التصريح غير المقبول يعكس فشل الجيش الإسرائيلي في احترام التزاماته بالقوانين الإنسانية، خاصة وأن عدداً كبيراً من الصحافيين قد قتلوا في غزة حتى اليوم. إن استهداف الإعلام جريمة حرب".

ودانت "مراسلون بلا حدود" بشدة، أمس الجمعة، الهجمات الإسرائيلية المستمرة على الصحافة في قطاع غزة، مؤكدة أن استهداف الإعلام يعتبر "جريمة حرب".

المنظمة نفسها، ومقرها العاصمة الفرنسية باريس، أعلنت الأربعاء أنها رفعت شكوى أمام المحكمة الجنائية الدولية بشأن ارتكاب "جرائم حرب" بحق صحافيين خلال العدوان الإسرائيلي المتواصل على غزة. كما أشارت الشكوى إلى "التدمير المتعمد، الكلي أو الجزئي، لمباني أكثر من 50 وسيلة إعلامية في غزة".

وجاء في بيان المنظمة: "قدّمت مراسلون بلا حدود شكوى تتعلق بجرائم حرب إلى مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تتضمّن تفاصيل حالات 9 صحافيين قتلوا منذ السابع من أكتوبر (8 فلسطينيين، وإسرائيلي)، واثنين أصيبا أثناء ممارسة عملهما". والمحكمة غير ملزمة بالنظر في القضية.

وهذه الشكوى الثالثة التي تقدمها "مراسلون بلا حدود" إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بشأن جرائم الحرب المرتكبة ضد الصحافيين الفلسطينيين في غزة منذ عام 2018. قدمت الشكوى الأولى في مايو 2018، وتتعلق بالصحافيين الذين استشهدوا أو أصيبوا خلال احتجاجات مسيرة العودة الكبرى في غزة. أما الشكوى الثانية فقدمتها في مايو 2021، بعد الغارات الجوية الإسرائيلية على أكثر من 20 وسيلة إعلامية في قطاع غزة. كما دعمت "مراسلون بلا حدود" الشكوى التي قدمتها قناة الجزيرة بشأن اغتيال الاحتلال الإسرائيلي للصحافية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة، في الضفة الغربية، يوم 11 مايو 2022.

وأدان الاتحاد الدولي للصحافيين الهجمات، أمس الجمعة، واعتبر أن استهداف وسائل الإعلام "جريمة حرب"، مطالباً بـ"إجراء تحقيق فوري".

يذكر أنه في خلال العدوان الإسرائيلي على غزة في مايو/أيار 2021، قصف جيش الاحتلال برجاً من 13 طابقاً كان يضم مكاتب قناة الجزيرة ووكالة أنباء أسوشييتد برس الأميركية. وزعمت إسرائيل حينها أنها كانت لديها معلومات استخباراتية جعلت قصف المبنى "أمراً مشروعاً".

أما وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الذي كان يزور تل أبيب الجمعة، فاكتفى بالقول إن الصحافيين الذين يغطون الحرب في قطاع غزة يجب أن "يتمتعوا بالحماية". وأشاد بلينكن بهؤلاء الصحافيين الذين "يقومون بعمل استثنائي في أخطر الظروف لسرد القصة للعالم. إنه أمر نكن له الإعجاب والاحترام الشديدين، ونريد ضمان حمايتهم". وبينما كانت واشنطن تعبر عن "إعجابها" و"احترامها"، وصل عدد الصحافيين

الفلسطينيين الشهداء في غزة، منذ بدء العدوان، إلى 26 صحافياً، إضافة إلى 13 عاملاً في المجال الإعلامي، وفقاً لنقابة الصحافيين الفلسطينيين التي كانت قد أفادت بأنّ الاحتلال الإسرائيلي "قصف منازل ما لا يقل عن 35 صحافياً، مما أدّى إلى استشهاد عشرات من أفراد عائلاتهم، من ضمنهم الاستهداف المتعمد لعائلة الصحافي وائل الدحدوح، مراسل قناة الجزيرة، الذي نتج عنه قتل زوجته، واثنين من أبنائه، وحفيده الأصغر".

المساهمون