الاجتياح الروسي لأوكرانيا يخيّم على قطاعي الموضة والمنتجات الفاخرة

07 مارس 2022
شركة "إرميس" بادرت لمغادرة روسيا (بدرل شكرت/Getty)
+ الخط -

يلقي الاجتياح الروسي لأوكرانيا بظلاله على القطاعات المختلفة حول العالم، في منحى لم تسلم منه الموضة أو المنتجات الفاخرة، أو المصممون الروس والأوكرانيون. تنقل "فرانس برس" أخباراً عن هذين القطاعين حول العالم، توضح كيف تأثرا بالحرب وإجراءاتها.

بين الموضة والمنتجات الفاخرة

منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، بدأ قطاع المنتجات الفاخرة ينأى بنفسه تدريجيًا عن روسيا ويحدّ من وجوده في البلاد ويدعم المساعدات المالية للاجئين الأوكرانيين.

وكانت شركة "إرميس" أوّل شركة في فرنسا تُعلن الجمعة عن إغلاق "مؤقت" لمتاجرها الثلاثة في روسيا، لتحذو المجموعات الفرنسية الكبرى "شانيل" و"لوي فويتون" و"كيرينغ" حذوها.

وأعلنت مجموعة "برادا" الإيطالية في بيان، عن قرارها تعليق تجارتها بالتجزئة في روسيا.

وقال متحدث باسم مجموعة "لوي فويتون": "نظرًا للظروف الحالية في المنطقة، تأسف لوي فويتون لإعلانها إقفال متاجرها مؤقتًا في روسيا اعتبارًا من السادس من آذار/مارس".

وقبل المجموعات الفرنسية، علّقت مجموعة "بوربوري" إيصال بضاعتها إلى روسيا بسبب "صعوبات تشغيلية".

وحتى لو بدت روسيا أرضًا خصبة للرفاهية، إلّا أن المبيعات فيها تشكّل فعليًا جزءًا صغيرًا فقط من مبيعات المجموعات الكبيرة للموضة، فنسبة مبيعات "كيرينغ" أو "بوربوري" بالكاد تصل إلى 1% في روسيا فيما تصل إلى 2% بالنسبة لـ"لوي فويتون".

ولمجموعة "لوي فويتون" التي تضمّ 75 علامة تجارية، 124 متجرًا في روسيا، لكن وجود "شانيل" و"كيرينغ" محدود أكثر في روسيا (17 متجرا لـ"شانيل" وبضع نقاط بيع، ومتجران وأربع نقاط بيع لـ"كيرينغ").

ومع ذلك، يقوم الروس أيضًا بعمليات الشراء في أماكن أخرى غير روسيا، أي في المتاجر في باريس وفي كوت دازور وفي عدّة دول ومناطق أخرى في العالم.

وعكس قطاعات أخرى، لم يتأثر قطاع الملابس الفاخرة كثيرًا بالأزمة الصحية التي سببها انتشار كوفيد-19.

المجموعات الكبيرة في القطاع تتردد في اتخاذ قرارات من شأنها أن تُبعد جزءًا من زبائنها الأثرياء

وأوضح رئيس شركة "ديور" بيترو بيكاري السبت عبر راديو "فرانس أنتر"، أن "مبيعاتنا مرتفعة أكثر ممّا كانت عليه في العام 2019، عرفنا نموًّا مضاعفًا في السنوات الأخيرة".

وساهم بالنمو جمهور الدول الناشئة، على رأسها الصين، ولكن أيضًا البرازيل وروسيا، ما قد يجعل المجموعات الكبيرة في القطاع تتردد في اتخاذ قرارات من شأنها أن تُبعد جزءًا من زبائنها الأثرياء.

في قطاع الموضة، اختارت مجموعات أخرى أيضًا تعليق نشاطها في روسيا مثل "أيتش أند أم" السويدية الأربعاء ومنافستها الإسبانية "اينديتيكس" السبت (الشركة الأم لـ"زارا" والرائدة عالميًا في الملابس) التي تمتلك 502 متجر في روسيا.

وعلى عكس هذه المجموعات، تواصل مجموعات فرنسية من قطاعات أخرى، مثل "دانون" و"رونو" نشاطاتها في روسيا. وأعلنت شركة "توتال أنيرجي" أنها لا تفكّر في استثمارات جديدة في روسيا، لكنها لا تخطط للانسحاب. وينطبق الأمر أيضًا على "سوسييتيه جنرال".

والإثنين، قالت شركة "بي في إتش" لصناعة الملابس ومالكة العلامتين التجاريتين كالفين كلاين وتومي هيلفيغر، إنها ستغلق مؤقتاً جميع متاجرها في روسيا وروسيا البيضاء وستوقف جميع أنشطتها التجارية في الدولتين ردا على غزو موسكو لأوكرانيا. هذا بالرغم من أنها كانت قد حققت نحو اثنين بالمئة من إجمالي صافي إيراداتها في عام 2021 من مبيعاتها في روسيا وروسيا البيضاء وأوكرانيا، وفق ما نقلت "رويترز". 

تبرّعات واتّخاذ موقف

وإذا كانت المجموعات الفاخرة صامتة في ما يتعلق بأوكرانيا، إلّا أن بعض علاماتها التجارية لا تتردد في إظهار الدعم للأوكرانيين على شبكات التواصل الاجتماعي، مثل بالنسياغا (مجموعة كيرينغ) التي تعرض على حسابها عبر إنستغرام العلم الأوكراني كصورة وحيدة.

وتذهب العلامة التجارية إلى أبعد من ذلك، من خلال استخدامها مواقع التواصل الاجتماعي "لنقل المعلومات" حول الوضع في أوكرانيا.

إذا كانت المجموعات الفاخرة صامتة في ما يتعلق بأوكرانيا، إلّا أن بعض علاماتها التجارية لا تتردد في إظهار الدعم للأوكرانيين على شبكات التواصل الاجتماعي

ويعود أحد أسباب هذا التحيّز إلى حياة مدير المجموعة الفني ديمنا غفاساليا الشخصية، فهو من جورجيا واضطرّ إلى الفرار من بلده في سن 12 عامًا بسبب الحرب. ودان "الهجوم الروسي ضدّ أوكرانيا".

أمّا المدير الفني لمجموعة "بالمان" أوليفيه روستينغ، فعبّر عبر إنستغرام عن الوحي الذي تولّده "كرامة الأوكرانيين ومرونتهم وتفانيهم من أجل الحرية".

وأعلن كلاهما عن تبرّعات لبرنامج الأغذية العالمي والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، لمساعدة الأوكرانيين الفارّين من القتال.

وخلال أسبوع الموضة في باريس، سجلت مبادرات أخرى بالاتجاه نفسه، إذ تنوي عارضة الأزياء ميكا أرغانياراز مثلًا التبرع بجزء من دخلها من هذه الفترة للجمعيات الأوكرانية، وهي مبادرة اتخذتها عارضات أزياء أخرى مثل بيلا حديد وفرانشيسكا سامرز.

وقال رئيس اتحاد الأزياء الفاخرة والموضة رالف توليدانو الأحد لوكالة فرانس برس، إن العرض الافتراضي للمصمم الروسي فالنتين يوداشكين الذي كان مقررا الثلاثاء في إطار أسبوع الموضة في باريس، ألغي لأن المصمّم "لم ينأَ بنفسه" من الحرب الروسية في أوكرانيا.

وستتبرع مجموعة "لوي فويتون" بخمسة ملايين يورو للجنة الدولية للصليب الأحمر و"شانيل" بمليوني يورو لمنظمة "كير" غير الحكومية وللمفوضية السامية لشؤون اللاجئين.

إلغاء عرض لمصمم روسي

أُلغي عرض الأزياء الافتراضي للمصمم الروسي فالنتين يوداشكين الذي كان مقرراً تنظيمه الثلاثاء في إطار أسبوع الموضة في باريس، لأنّ المصمم "لم ينأ بنفسه" عن الحرب التي تشنها روسيا على أوكرانيا، على ما أعلن رئيس اتحاد الهوت كوتور والموضة في فرنسا رالف توليدانو لوكالة فرانس برس الأحد.

وقال توليدانو "أراد فريقنا التأكّد من موقف فالنتين يوداشكين. ولو أنّه تحفّظ عن آرائه حول الحرب في أوكرانيا، لكان من الصعب حذف" عرضه من البرنامج. وتابع "أرادوا إنجاز عمل ينطوي على النزاهة الفكرية لمعرفة ما إذا كان فالنتين، مثل فنانين آخرين، قد نأى بنفسه، لكنّه لم يفعل ذلك فطلبت منهم بالتالي إزالته فوراً" من البرنامج.

وكان فالنتين يوداشكين الذي يعرض تصاميمه منذ سنوات في باريس أحد الذين صمّموا البزة العسكرية الجديدة للجيش الروسي.

أما مشاركة دارَي "أوليانا سيرغينكو" و"يانينا كوتور" الروسيتين للأزياء في أسبوع الأزياء الراقية، فستبتها لجنة عادةً ما تجتمع "كلّ ستة أشهر". وأوضح توليدانو أنّ "اجتماع اللجنة المقبل سيُعقد في حزيران/يونيو".

عروض أزياء وتحيّة لأوكرانيا

وجّه المصمم الجورجي في دار بالنسياغا للأزياء دِمنا تحية لأوكرانيا خلال عرض أقيم الأحد ضمن أسبوع الموضة في باريس، وقال دِمنا، وهو نفسه لاجئ من حرب مع روسيا "فلتحيَ أوكرانيا، من أجل الجمال".

ووُضعت على مقاعد الحضور خلال العرض قمصان زرقاء وصفراء بلوني علم أوكرانيا مرفقة بورقة تتضمن كلمة مكتوبة لدِمنا عن العرض يشرح فيها سبب أبقائه عليه في زمن "تفقد فيه الموضة حقها في الوجود" و"يبدو أسبوع الموضة عبثياً".

وباللغة الأوكرانية، تلا دِمنا (40 عاماً) في بداية عرضه في بورجيه بالقرب من باريس، ثم في نهايته، قصيدة كتبها الشاعر أولكسندر أولس عام 1917 ومما جاء فيها "فلتحيَ أوكرانيا، من أجل الجمال والقوة والحقيقة والحرية".

وعلى وقع أغنية شعبية أوكرانية شهيرة بعنوان "لن أستسلم من دون قتال"، قال المصمم للصحافيين على هامش العرض "إنها المرة الأولى في حياتي أكون فيها مرتاحاً وأنا أقرأ". وأضاف "لا اهمية للموضة في الوقت الراهن بنظري".

وغطى الثلج الكثيف أرض موقع العرض في أحد أجنحة مركز لوبورجيه للمعارض، فيما كان العارضون إناثاً وذكوراً يمشون تحت ندفاته المتساقطة، تفصلهم عن الجمهور جدران شفافة.
وكان الجو على الجانب الآخر من الجدار بارداً جداً في أثناء انتظار العرض الذي بدأ - كما هي الحال غالباً- متأخراً عن موعده، فما كان من بعض المتفرجين إلا أن ارتدوا القمصان الأوكرانية.

واستُهل العرض بملابس سوداء وحقائب يد تذكّر بأكياس القمامة. ولم يكن بعض العارضين الرجال يرتدون وسط الصقيع سوى سراويل "بوكسر" الداخلية وينتعلون أحذية رياضية.

وأوضح دِمنا أنه تعمّد ذلك. وقال "تخيلت نفسي أمشي وأختبئ في الملاجئ قبل 30 عاماً، كهؤلاء الفتيات والفتيان الأوكرانيين الذين يبلغون عشر سنوات، فيما أهلهم لا يعرفون ما سيحل بهم".

وولد دِمنا غفاساليا في سوخومي بمنطقة أبخازيا في جورجيا التي كانت يومها لا تزال جمهورية سوفييتية. وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي في تسعينات القرن العشرين، هرب مع أسرته من "التطهير العرقي" الذي أقدم عليه في جورجيا الانفصاليون الأبخاز الموالون لروسيا والمدعومون من موسكو.

وتوقفت العائلة في أوكرانيا خلال رحلة نزوحها. وكتب دِمنا "لقد أيقظت الحرب في أوكرانيا الألم والصدمات التي كانت في داخلي منذ عام 1993 ، عندما حصل الأمر نفسه في وطني وأصبحت لاجئاً إلى الأبد". وأضاف "خطرت ببالي فكرة إلغاء العرض الذي بذلت وفريقي جهداً كبيراً للتحضير له (...) لكنني أدركت أن إلغاءه سيكون بمثابة استسلام وإذعان للشر الذي سبق أن تسبب لي بجرح كبير طوال نحو 30 عاماً".

أما ختام العرض، فكان بمشهد أوكراني أيضاً قوامه رجل بملابس صفراء بالكامل وامرأة ترتدي فستاناً أزرق مع طرحة.

وبات دِمنا أول مصمم يستنكر بوضوح من خلال عرضه "العدوان الروسي على أوكرانيا" ويضع العلم الأوكراني على إنستغرام، خلافاً لما درجت عليه أوساط الموضة من تناول السياق العام عادةً بلغة مخففة.

وتبرع المصمم الجورجي لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة لدعم الدفعة الأولى من المساعدات الإنسانية للاجئين الأوكرانيين.

وما لبثت دار جيفنشي أن علّقت خلال عرضها مساء الأحد على النحو الآتي "علينا ألا ننسى أبداً كم نحن محظوظون بكوننا نعيش ونمارس مهنتنا بسلام. فلنساعد أولئك الذين لا يستطيعون ذلك". واكتسى موقع عرض جيفنشي في "ديفانس أرينا" في نانتير بالقرب من باريس حلة العلم الأوكراني باللونين الأزرق والأصفر. ودعا ملصق المشاهدين إلى أن يحذوا حذو الدار من خلال التبرع للصليب الأحمر الأوكراني.

وطغى طابع "ملابس الشارع" على تشكيلة جيفنشي المختلطة للجنسين التي صممها الأميركي ماثيو ويليامز ، من بلوزات "سويت شيرت" بقلنسوة وسراويل جينز واسعة، وتخللتها بعض القطع الأنيقة كالفساتين السوداء اللامعة أو تلك الزرقاء والبرتقالية الصغيرة مع الكشكشة المترافقة مع أحذية ضيقة تصل إلى الفخذ.

المساهمون