يشكو سعيد، وهو سائق تاكسي في شركة إسنب للنقل الذكي في طهران، من ارتفاع تكلفة الإنترنت في إيران منذ 4 أشهر تقريباً، مشيراً إلى أنّ الأسعار تضاعفت تقريباً، ما حمّله أعباء إضافية في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد.
يضيف سعيد، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ طبيعة عمله تستدعي أن يكون هاتفه موصولاً بشكل دائم بالشبكة، وهو ما يكلفه الكثير في ظل غلاء الإنترنت "حتى لو لم أكن أعمل في النقل الذكي فكيف يمكن في هذا العصر الاستغناء عن الإنترنت؟".
ينفق سعيد شهرياً نحو 300 ألف تومان (ما يعادل 10 دولارات) على شراء باقات الإنترنت لاستخدامها في عمله وكذلك لتصفح شبكات التواصل الاجتماعي وأغلبها محظور في إيران، مثل "تيليغرام" و"تويتر"، ويحتاج الوصول إليها لبرامج فك تشفير، تؤثر في جودة الإنترنت وسرعته.
يكشف رصد ميداني لـ"العربي الجديد" أنّ أسعار الإنترنت قد ارتفعت بنسبة تفوق 50 في المائة، منذ خمسة أشهر، من دون إعلان مسبق من قبل أكبر شركات الإنترنت المتنقل في البلاد، أي شركتي همراه أول (الجوال المتنقل) وإيرانسل، لتعود وتلتحق بهما شركات أخرى، فضلاً عن تقليص الشركات المدة الزمنية لباقاتها من عام إلى أربعة أشهر.
ارتفاع أسعار الإنترنت في إيران، مدفوع بأسباب عدة، حسب الخبير التقني المهندس محمد مهدي بهرامي، الذي يقول إن العامل الأول هو ارتفاع سعر الدولار في إيران مقابل تراجع الريال، حيث يتم شراء عرض النطاق الترددي Bandwidth من الخارج بالدولار، لكن يباع الإنترنت في الداخل بالريال. ويضيف بهرامي أن العامل الثاني هو على صلة بتكاليف صيانة وتحديث المعدات والأجهزة التي غالباً ما تكون مستوردة من الخارج، فاستيرادها في ظل ارتفاع أسعار الدولار والعقوبات الأميركية "مكلف"، فضلاً عن ارتفاع الأجور والخدمات الوسيطة.
أما العامل الثالث فيرجعه الخبير الإيراني إلى "الأخذ والعطاء" بين الحكومة الإيرانية الجديدة وهذه الشركات، مشيرا إلى أن الحكومة مضطرة للتعاون مع هذه الشركات إذا ما أرادت تطبيق أي برنامج في المجال الافتراضي وهو ما لا يحصل من دون تعاون هذه الشركات، الأمر الذي يفضي إلى نوع من الأخذ والعطاء بينهما، أي تبادل المصالح السياسية/المالية.
وجاء قرار الشركات المقدمة للإنترنت في إيران بزيادة الأسعار في أعقاب قيام الحكومة بإقرار الموازنة الجديدة في البرلمان خلال مارس/آذار الماضي، التي فرضت زيادة الضرائب بنسبة 10 في المائة على مشغلي الإنترنت.
تدهور الجودة
يشتكي ياشار، وهو لاعب يحترف ألعاب الفيديو، من تدهور جودة الإنترنت في إيران، مشيراً إلى أنه وزملاءه من الـ"غيمرز" Gamers يواجهون مشاكل في الانقطاع المستمر للشبكة وبطئها الشديد. ويضيف، في مقابلة مع "العربي الجديد"، أن هذه المشاكل أثرت سلباً على نشاطه في ممارسة الألعاب الإلكترونية التي تشكل مصدر دخله الأساسي.
ومنذ فرض العقوبات الأميركية عام 2018، يواجه هؤلاء اللاعبون مشاكل تفاقمت خلال الأشهر الأخيرة، كما يقول ياشار، الذي يؤكد أن انقطاع الشبكة بشكل مستمر يؤثر سلباً على ألعاب مثل Counter-Strike: Global Offensive، إذ يمكن أحياناً أن يتسبب ذلك في خسارة اللعبة. كما يوضح أنّ العقوبات الأميركية وحظر مواقع أجنبية في الداخل دفعا اللاعبين إلى استخدام برامج فك التشفير، فضلاً عن معاناتهم في شراء الألعاب في مختلف مراحلها بسبب العقوبات على النظام المالي والمصرفي الإيراني.
ودفعت هذه المشاكل بعض هؤلاء اللاعبين إلى الهجرة من إيران أو التفكير فيها حسب ياشار، الذي يشير أيضاً إلى صعوبة الحصول على معدات متطورة تستخدم في أجهزة الكمبيوتر لممارسة الألعاب. وبحسب بيانات عام 2019 للمعهد الوطني للألعاب الكمبيوترية، بلغ عدد لاعبي الألعاب الرقمية في إيران 32 مليون شخص، من أصل 85 مليونا هو عدد سكان البلاد، أغلبهم من الأطفال والشباب.
جودة الإنترنت المنخفضة في إيران، يردّها الخبير محمد مهدي بهرامي إلى عوامل متعددة، منها عدم تمكن إيران من الحصول على "خدمات مستدامة عالية الجودة" من الطرف الدولي المتعاقدة معه في ظل العقوبات الأميركية. العامل الآخر هو غياب الرقابة على أعمال الشركات الداخلية التي تقدم خدمة الإنترنت للمواطنين. ويقول بهرامي إن هذه الشركات تبيع أحياناً النطاق العريض للعملاء بطريقة تفوق طاقاته. مشيراً إلى أنها على سبيل المثال تقوم أحياناً ببيع واحد جيجابايت من عرض النطاق الترددي على أنه اثنتين أو ثلاث جيجابايت. يرى بهرامي أن شركة الاتصالات الإيرانية تحتكر إلى حد كبير الإنترنت في البلاد، في ظل غياب شركات منافسة أخرى بمستوى قدراتها وإمكانياتها الهائلة، ويأتي هذا الاحتكار على حساب جودة وسرعة الإنترنت في البلاد، اللتين تتحسنان في أجواء تنافس غير متاحة حالياً.
ويلفت الخبير الإيراني إلى أنه تواصل مرات عدة مع الشركة بسبب المشاكل في الإنترنت، وحتى قصد مكاتبها المركزية حضورياً لكن من دون نتيجة. ويشير بهرامي، في حديثه مع "العربي الجديد"، إلى أنّ شركة الاتصالات ببنيتها التحتية وإمكانياتها الوطنية الكبيرة خُصخصت قبل 15 عاماً، بينما الشركات الأخرى لا تتوفر لديها هذه القدرات لتنافسها.
وبدأت خصخصة شركة الاتصالات الإيرانية عام 2006، إلى أن بيع 51 من أسهمها عام 2009 لمجموعة توسعة اعتماد مبين التي تشمل ثلاث شركات تابعة لمؤسسة التعاون الاقتصادية في الحرس الثوري الإيراني.
ماذا عن دور مشروع تنظيم العالم الافتراضي؟
يرى مراقبون ووسائل إعلام إيرانية، أن أحد أهم أسباب تراجع جودة الإنترنت وسرعته في إيران وانقطاعه بين حين لآخر خلال الشهور الأخيرة، يعود إلى "تنفيذ غير معلن" لمشروع برلماني يحمل عنوان حماية حقوق المستخدمين في العالم الافتراضي، لكن ناشطين ومراقبين وخبراء وقوى سياسية في البلاد، يعتبرون أن الهدف منه هو تقييد شبكات التواصل الاجتماعي الأجنبية في البلاد وتقييد الوصول إلى المحتوى غير المرغوب لدى السلطات.
لكن رغم سحب المشروع من أجندة البرلمان بعد الانتقادات الواسعة، يتردد في الأوساط المعترضة أنه فعلياً أحيل إلى المجلس الأعلى للعالم الافتراضي وأنه قيد التنفيذ السري. إلا أن الحكومة ووزارة الاتصالات كررتا نفي هذه الاتهامات.
وفي السياق، نقلت صحيفة "دنياي اقتصاد" (دنيا الاقتصاد) في 29 يونيو/حزيران الماضي عن خبراء وناشطين قولهم إن سبب تعطل الإنترنت المستمر في إيران يعود إلى إرغام المواقع على استخدام خدمات الاستضافة في الداخل، في إطار تنفيذ غير معلن لمشروع "حماية حقوق المستخدمين". وفي 27 يوليو/تموز الماضي، كتبت صحيفة شرق الإصلاحية أنّ "المشروع ينفذ حالياً بالتدرج وفي كل يوم بشكل جديد يضع حياتنا نحن الإيرانيين أمام صعوبات ومشاكل".
وفيما توجه اتهامات لوزارة الاتصالات في الحكومة الإيرانية الحالية بخفض عرض النطاق الترددي، قال وزير الاتصالات عيسى زارع أخيراً وفق وكالة إرنا الرسمية: "قلت مراراً وأكرر ذلك إنّني أنفي خفض النطاق العريض، ولا نواجه أي مشكلة في زيادة وتأمين عرض النطاق".