الإعلام الإسرائيلي يشرعن الأخبار الكاذبة

30 اغسطس 2023
تستغل الأخبار الكاذبة في الترويج للتعديلات القضائية (جاك غيز/فرانس برس)
+ الخط -

قبل شهر، وفي ظل محاولة حكومة بنيامين نتنياهو التدليل على أن قطاعات واسعة من الجمهور الإسرائيلي تدعم خطة التعديلات القضائية التي طرحتها، لم تتردد قناة 14 التي تمثل اليمين الشعبوي في الاحتلال الإسرائيلي، وتعد أهم أبواق الحكومة الدعائية، في عرض فيديو لتظاهرة ضخمة زعمت أنها مؤيدة للتعديلات القضائية.

أقرت حكومة الاحتلال الإسرائيلي، الشهر الماضي، أول تشريع رئيسي في خطة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لـ"إصلاح النظام القضائي في البلاد". تسعى الخطة إلى إضعاف المحكمة العليا في البلاد ونقل المزيد من الصلاحيات إلى البرلمان.

وسرعان ما تبين أن الفيديو الذي عرضته القناة كان لتظاهرة نظمتها القوى التي تحتج على التعديلات القضائية، وليس المؤيدة لها. وعلى الرغم من افتضاح الأمر، فإن القناة لم تسارع إلى تصحيح المعلومة أو الاعتذار عن عرض الفيديو.

وقد تحول نشر الأخبار الكاذبة بالنسبة لقناة 14، التي تحظى بدعم رسمي كبير، وسيلة شرعية للترويج للخطاب الدعائي والأيديولوجي لحكومة اليمين المتطرف التي تدير دفة الأمور في تل أبيب.

ونظراً لأن قوى اليمين الديني المتطرف المشاركة في الحكومة تعمل على شيطنة فلسطينيي الداخل وتقدمهم على أنهم يحاولون السيطرة على إسرائيل، عرضت قناة 14 تقريراً حول ما زعمت أنها محاولة فلسطينيي الداخل للسيطرة على مستوطنة تبور، عبر شراء المنازل والأراضي.

وفي تقرير نشرته صحيفة هآرتس، قال الناقد الإعلامي، روجل إلفر، إن التقرير الذي بثته قناة 14 مجرد "خبر كاذب فج"، إذ لم تقدّم شواهد تدلل على صدقية ما أوردته.

لكن القناة لا تنشر الأخبار الكاذبة فقط من أجل الترويج لأفكار اليمين المتطرف وللدفاع عن سياسات حكومة نتنياهو، بل تعتمد هذه الوسيلة في مهاجمة الشركات التجارية التي توقفت عن نشر الإعلانات فيها احتجاجاً على دفاعها عن التعديلات القضائية. فبمجرد أن أعلنت شركتا كوكا كولا وشتراوس وقف نشر إعلاناتهما التجارية لدى القناة، سارع ينون ماغال، أحد أبرز مقدمي البرامج الحوارية فيها، بنشر معلومات كاذبة تطعن بجودة ما تنتجانه، ولم يتردد في تسويغ ما ذهب إليه بزعم الاعتماد على نتائج أبحاث علمية.

الناقد الإعلامي لصحيفة يسرائيل هيوم، نير وولف، جزم بأن ماغال تمكن بالفعل من تغيير شكل وسمات التلفزة التجارية في إسرائيل عبر اعتماد الأخبار الكاذبة.

وحتى وزير الاتصالات شلومو كرعي، المسؤول عن قطاع الإعلام في إسرائيل، والذي لم يتردد في تقديم المساعدة لقناة 14 بوصفها بوق اليمين المتطرف ومنبر ترويج لدعاية حكومة نتنياهو، لم يتمكن من الوقوف صامتاً إزاء حجم الأخبار الكاذبة التي يبثها ماغال. فكرعي وصف ماغال بأنه "سيد الأخبار الكاذبة"، مما أثار حفيظة مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي من أتباع التيارات اليمينية والدينية الذين دافعوا عن ماغال وبرروا له نشر الأخبار الكاذبة.

إعلام وحريات
التحديثات الحية

لكن نشر الأخبار الكاذبة لا يتوقف على قناة 14، فبعض مقدمي البرامج الحوارية من ذوي التوجهات اليمينية الذين يعملون في قناة كان، التابعة لسلطة البث الإسرائيلية، يعتمدون النهج نفسه. ووفقاً لـ"هآرتس"، فقد قدمت إيالا حسون، مقدمة أحد البرامج في قناة كان، خبراً كاذباً حول تكلفة بناء المكتبة الوطنية، إذ استعرضت أرقاماً مبالغاً فيها من أجل مهاجمة القائمين على المشروع.

وامتد استخدام الأخبار الكاذبة إلى السياسيين الذين لا يترددون في تلقف أي خبر، بمعزل عن مصدره، في إطار سعيهم لتحسين مكانتهم السياسية والاجتماعية والمس بمكانة خصومهم. فقد سارع وزير الأمن القومي في حكومة الاحتلال، إيتمار بن غفير، إلى نشر خبر مفاده أن ناشطي حركة الاحتجاج على خطة التعديلات القضائية قد نشروا صور عناصر من الشرطة بزعم أنهم شاركوا في قمع المتظاهرين ضد الخطة. وحسب "هآرتس"، فقد تبين لاحقاً أن ما نشره بن غفير كانت مادة روجت لها مجموعة سيبرانية إيرانية معنية بنشر الأخبار الكاذبة بهدف توسيع هوة الخلاف بين مؤيدي ومعارضي التعديلات القضائية.

وفي تقرير موسع، خلصت صحيفة معاريف إلى أن نشر الأخبار الكاذبة أثر بشكل كبير على نتائج الانتخابات الأخيرة في إسرائيل، مشيرة بشكل خاص إلى دور بعض السياسيين الحاسم في ترويج هذه الأخبار، لافتة إلى أن هؤلاء ليس فقط لم يتراجعوا عما نشروه بعدما تبين أنه غير صحيح، بل إن مكانتهم الاجتماعية والسياسية تعززت كثيراً إثر ذلك.

ولا خلاف في إسرائيل على أن خطة "إصلاح الإعلام" التي قدمها كرعي ستساعد في توفير بيئة تسمح بالترويج للأخبار الكاذبة. فخطة كرعي تلغي وجود المؤسسات الرقابية المستقلة التي تشرف على قطاع الإعلام، وتحديداً التلفزيوني، مما يعني أن نشر الأخبار الكاذبة لن يكون سبباً لمعاقبة وسائل الإعلام.

وأثرت موجة الأخبار الكاذبة على مستوى ثقة الجمهور الإسرائيلي بوسائل الإعلام. فحسب استطلاع أشار إلى نتائجه موقع شكوف، فإن 36 في المائة فقط من الجمهور الإسرائيلي يثق بوسائل الإعلام، في حين يرى 58 في المائة أن نظام الحكم في إسرائيل فاسد. ويرى الموقع أن هناك علاقة وثيقة بين فساد نظام الحكم وبين انتشار الأخبار الكاذبة، وأشار إلى أنه كلما تعاظم مستوى فساد الطبقة السياسية كلما مالت إلى نشر الأخبار الكاذبة للتغطية على الفساد.

المساهمون