تمثل الأعياد الوطنية في الكويت ثاني أكبر سوق إعلاني في البلاد عقب سوق إعلانات شهر رمضان، إذ تسارع الشركات الكويتية الكبرى والمتوسطة إضافة إلى الجهات الحكومية والهيئات التي تحاول إبراز اسمها في الأعياد الوطنية.
ولا تخرج الدعايات والإعلانات التي تقوم بها شركات الدعاية والإعلان لصالح الشركات والهيئات والإدارات الحكومية عن إطار واحد وهو الأغاني الوطنية ذات الإيقاع السريع إذ باتت هذه الإعلانات تسيطر على السوق الإعلاني الخاص بالأعياد الوطنية في الكويت بشكل تام آخر 10 سنوات وفق ما يقول خبراء في الإعلان ومسؤولون في شركات الدعاية.
وتنتج الكويت سنوياً ما يقارب 25 إلى أغنية وطنية مرتبطة بالدعايات الخاصة بالشركات في فترة الأعياد الوطنية، لكن هذا العدد انخفض هذا العام بسبب الصعوبات المالية التي عانتها بعض الشركات بعد الأزمة الاقتصادية الناتجة عن فيروس كورونا.
تنتج الكويت سنوياً ما يقارب 25 أغنية وطنية
وتمثل الإعلانات في الأعياد الوطنية جزءًا كبيراً من دخل الشركات الإعلانية في الكويت كل عام، كما أنها تساهم في تحسين إيرادات الفنانين والراقصين والمخرجين إضافة إلى شركات التصوير والإضاءة، وتسهم في دفع عجلة التسويق إلى الأمام لكن هذه الأغاني الوطنية التي تنتجها الشركات تلقى انتقاداً كبيراً في الكويت بسبب نوعيتها الإيقاعية السريعة، ودمج الأسلوب الغنائي الغربي فيها مثل أغاني الراب وغيرها، وهو ما يجعلها عرضة للاتهام بأنها تشوه التراث الوطني وتنتقص منه.
وطالب فنانون كويتيون الحكومة بالتدخل ووضع "تعريفات" للأغاني الوطنية التي يمكن السماح بها سواء من ناحية الألحان أو الكلمات، لكن مسؤولين في التسويق والإعلان يقولون بأن هذا يقتل الإبداع في الإعلانات الوطنية. ويقول عبدالله الحسن، وهو مسؤول وحدة إنتاج إعلانات في إحدى شركات الدعاية والإعلان الكويتية "للعربي الجديد": "تمثل سوق الإعلانات في الأعياد الوطنية ثاني أكبر سوق للشركات الكويتية الخاصة بالدعاية والإعلان بعد سوق شهر رمضان الذي يعد الأكبر على الإطلاق، لكن هذا السوق رغم أنه ثاني أكبر سوق إلا أنه يبقى محدوداً لأن الكثير من الشركات تفضل عدم الصرف بشكل كبير مقارنة بشهر رمضان، إضافة إلى أزمة كورونا التي جعلت هذه الشركات تتراجع في مصاريفها الإعلانية".
ويقول الحسن إن الشركات الكويتية الكبرى خفضت ميزانياتها الإعلانية الخاصة بالأعياد الوطنية بواقع 20% تقريباً، بينما خفضت الشركات المتوسطة والصغرى ميزانيتها الإعلانية بشكل أكبر. ويرى الحسن أن لا أحد في الشركات الإعلانية يود الخروج من دائرة الأغنية الوطنية في الإعلان خلال فترة الأعياد الوطنية قائلاً: "إذا كنت تملك شركة اتصالات فستطلب أغنية وطنية، وإذا كنت تملك تطبيقاً لتوصيل الطعام فستطلب أغنية وطنية، وإذا كنت مصرفاً إسلامياً فستطلب أغنية بثوب إسلامي محافظ، هذا هو السوق ونحن نلعب وفق قواعده".
وتشرح مها السبيعي، وهي كاتبة محتوى إبداعي في شركة دعاية وإعلان محلية سبب استعانة الشركات بالأغاني الوطنية دون غيرها في الإعلانات في الأعياد الوطنية فتقول: "الشركة تحتاج إلى إعلان يرسخ في الذاكرة، ولاشيء يرسخ في الذاكرة أكثر من الأغنية، والشركات بحاجة إلى أن يردد الجمهور هذه الأغنية أكثر من مرة فلا بد أن يكون إيقاع الأغنية سريعاً ليرددها الجمهور بشكل متواصل وبالتالي يتم إخراج أغانٍ وطنية بإيقاعات سريعة وبكلمات حديثة لا تتعلق بالتراث بل تتعلق بواقع الشباب اليوم وذلك ليقوم الناس بترديدها أكثر من مرة".
وتضيف مها: "هذا هو سبب غضب الشعب من الإعلانات ومن الأغاني الوطنية، لكن لو نظرنا لها من منظور آخر وأكثر حيادية نجد أن الأغنية الوطنية انتقلت إلى أبعاد أكثر ديمومة وصارت تردد بكل مكان وتشتهر في الخليج وبلاد الشام ومصر".
ويطالب الفنانون التراثيون في الكويت الحكومة بسن قوانين تمنع نشر الأغاني الوطنية في الإعلانات، كما تمنع إعادة بعض الشركات إنتاج القوالب الوطنية بأشكال أكثر حداثية. ويقول أحمد الرندي، وهو مغنٍ شعبي في إحدى الفرق الشعبية الوطنية الكويتية: "ما يحدث هو عبث في تراثنا وإقحام له في سوق الإعلانات وهو أمر غير مقبول". لكن مها السبيعي ردت بقولها إن الكثير من الفرق الشعبية تعتاش على ظهورها من الإعلانات في موسم الأعياد الوطنية وبالتالي لا يمكن لأحد أن يفرض ما هو صالح وغير صالح في الإعلانات ما دام عرض الأغاني لا يتنافى مع حقوق الإنسان والقانون. وتعتقد الناشطة النسوية شيخة العلي أن الهجوم على الأغاني الوطنية في الإعلانات ينطلق من ذكورية كانت مترسخة حول الأغاني الوطنية وهي أغان لا يمكن سوى للرجال تأديتها، لكن الإعلانات التي أدخلت النساء لها أدت إلى استهجان الكثيرين.