"الأستاذ" في الدوحة: وقائع مواجهة يومية

07 سبتمبر 2024
إيمَجِن بووتس وصالح بكري في "الأستاذ": مواجهة هادئة لمحتلّ عنيف (الملف الصحافي)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **عرض الفيلم**: يعرض فيلم "الأستاذ" في صالة "سينما فوكس" بالدوحة بين 29 و31 أغسطس 2024، ويتميز بلغة سينمائية هادئة تكشف وقائع الحياة الفلسطينية تحت الاحتلال الإسرائيلي.
- **الشخصيات والعلاقات**: يروي الفيلم حكاية باسم، مدرس اللغة الإنجليزية في قرية بورين، وعلاقته بتلاميذه وجيرانه، خاصة آدم وعائلته، بالإضافة إلى الأخصائية الاجتماعية البريطانية ليزا.
- **الصدام والبحث**: يتناول الفيلم قصة الجندي الإسرائيلي نتانْيِل، الذي تخطفه جهة فلسطينية، مما يؤدي إلى صدام بين باسم وقائد الأمن الإسرائيلي، ولقاء بين والد الجندي وباسم.

بلغة سينمائية هادئة وشفّافة، تنسج فرح النابلسي فيلمها الروائي الطويل "الأستاذ" (ميتافورا للإنتاج الفني مُشاركة في إنتاجه)، المعروض في صالة "سينما فوكس" (الدوحة) بين 29 و31 أغسطس/آب 2024. لغة يُراد لها أنْ تكشف وقائع من دون خطابية وفذلكة بصرية، وأنْ تعكس عيشاً فلسطينياً يحتلّه الإسرائيلي من دون ادّعاء وحدّة.

فـ"الأستاذ" ينشغل بسرد حكايات فردية عن يومياتٍ يجب أنْ تكون عادية، لكنّ الاحتلال الإسرائيلي يزيد من قسوتها وعنفها وتحدّياتها، ما يدفع إلى فعلِ مقاومةٍ يومية، تبدو فعّالة لعدم سقوطها في الانفعال والتوتر. و"الأستاذ"، بسرده تلك الحكايات واليوميات، يقول إنّ الصواب في المقاومة تفكيرٌ ومثابرة وجهدٌ في ابتكار أشكالٍ لها تؤذي الإسرائيلي في كيانه، فتُصبح المقاومة تخطيطاً بعد تنقيبٍ ومراقبة، وتتحوّل اليوميات إلى فعلِ مواجهةٍ تجعل المُقاوِم الفلسطيني أقدر على مكافحةِ احتلالٍ، يُمارس حرب إبادة في غزّة منذ "طوفان الأقصى" (7 أكتوبر/تشرين الأول 2023)، قبل انتقاله إلى الضفّة الغربية منذ أسابيع قليلة.

مع فرح النابلسي، تُروى حكاية باسم (صالح بكري)، مُدرِّس اللغة الإنكليزية في مدرسةٍ. عملٌ من أجل عيش، وارتباطٌ بتلامذة يخرج (الارتباط) أحياناً من علاقة أستاذ ـ تلميذ إلى ما يُشبه الصداقة، أو "الجيرة" على الأقلّ، فآدم (محمد عبد الرحمن) جاره في قرية "بورين" (محافظة نابلس، الضفّة الغربية)، وشقيقه يعقوب (محمود بكري) يخرج من السجن قبل وقتٍ، ويُقتَل لاحقاً برصاص مُستوطِنٍ. علاقة باسم بآدم وعائلته أشبه بعلاقة عائلية، ستنكشف أسبابها، النفسية والروحية والانفعالية، لاحقاً، كما ستنكشف سيرة باسم، الذي يلتقي ليزا (إيمَجِن بووتس)، أخصائية اجتماعية بريطانية تعمل في الضفة الغربية.

تدمير منزل آدم وعائلته، السابق على مقتل شقيقه، لحظتان (التدمير والقتل) تؤسّسان مساراً ينتقل من روتين يومي إلى انكشاف خفايا في حياة كلّ فردٍ من الشخصيات الأساسية. لحظتان تسبقان، درامياً وبصرياً، مخفيّاً في القرية نفسها، كما في ماضي باسم تحديداً، ففي ذاك الماضي ما يُقرِّبه من آدم، محاولاً بجهد كبير حمايته من تهوّر وغضبٍ واندفاع، وهذا كلّه غير صالحٍ، فالثأر (لمقتل الشقيق وتدمير المنزل، لاحتلالٍ لا حدود لوحشيّة صانعه) يجب أنْ يُنجز بهدوء، والغضب يجب أنْ يُسيْطَر عليه كي لا يوقع الغاضب في مآزق لا خلاص منها (خاصة في مقاومة محتلّ، يتفوّق على نفسه يومياً في ابتكار أشكال القتل والعنف)، والاندفاع يجب أنْ يُلجَم، أحياناً كثيرة، لتدارك كلّ خطأ يُمكن أنْ يحصل في فعل المقاومة.

في جانبٍ آخر من الحكاية، هناك جندي إسرائيلي يُدعى نتانْيِل (لن يظهر أبداً)، تخطفه جهة فلسطينية، تنقله من مكان إلى آخر كي لا تعثر عليه السلطات الأمنية والعسكرية والسياسية الإسرائيلية. للجندي والدان أميركيان إسرائيليان، الزوجان كُوِن (ستانلي تاونسند وأندريا إيرفين)، اللذان يأتيان إلى إسرائيل للمشاركة في البحث عنه، إلى جانب إيلي ليبرمان (بول هرتزبيرغ)، قائد الأمن الإسرائيلي في الضفة الغربية. إذاً، هناك طرفان اثنان، يتواجه أحدهما مع الآخر في مسار حكايتين اثنتين: باسم ومحيطه، ومحيط نتانْيِل.

صدامٌ يحصل، فليبرمان يعرف ماضي باسم، والأستاذ لن يبقى مهنةً بل يصبح لقباً، والبحث عن الجندي المخطوف يجعل الأب الأميركي الإسرائيلي في مواجهة حقائق يتغاضى عنها لجهلٍ أو هروبٍ أو لا مبالاة. صدام ليبرمان مع باسم يُقابله لقاء سيمون (والد الجندي المخطوف) بباسم. صدام ـ لقاء يُشكّلان أيضاً لحظة درامية أساسية في التشكيل السينمائي لـ"الأستاذ"، فكلٌّ منهما إطلالةٌ على ماضٍ وراهن، وتعارف (أيكون عميقاً أم مجرّد انفعال عابر؟) يُفترض به أنْ يُنتج تعاملاً مختلفاً مع واقع وحقائق.

في "الأستاذ"، المعروض أول مرّة دولياً في الدورة الـ48 (7 ـ 17 سبتمبر/أيلول 2023) لـ"مهرجان تورونتو السينمائي الدولي"، مسائل عدّة تُناقش. لكنّ المُشاهدة ممتعةٌ سينمائياً، رغم قسوة الحاصل، المستمرّ إلى الآن بعنفٍ أخطر.

المساهمون