الأزياء التراثية: لماذا لم تغزو الأسواق الغربية؟

07 أكتوبر 2021
الشروط الجماليّة ترتكز بالأساس على بُعدٍ أنثروبولوجي (Getty)
+ الخط -

عربياً، يتوقّف نقد الاستشراق عند الكتابة الفكريّة. لكنّه لا يتجاوز قلاعها، ويقتحم بها مناطق يبابٍ داخل عالم الفنّ والأزياء وأسواق الموضة الغربية ومؤسّساتها الفنيّة. يعثر المُتابع على سلسلة تنميطاتٍ استشراقية، تجعل التصاميم التراثية العربيّة لا تحظى بمكانة تستحقّها. ورغم "تشجيع" بعض أسواق الموضة الفرنسيّة للمنتوج المغربي، إلا أنّها تظلّ تُقحمها وفق نموذجٍ استشراقي لفنونٍ ذات ميسمٍ تقليديّ، غالباً ما تنعته بالتصاميم الفولكلورية، رغم ما قد يطبعها من حداثةٍ وتجديد.
والحال أنّ هذا النّمط من التفكير لا ينمّ إلا عن سوء الفهم الحاصل في فهم "الحداثة" الفنيّة، بوصفها نموذجاً لا يقبل التخندق في الزمن. فهي أشبه بكائنٍ زئبقيّ مُتحوّل عبر المكان والزمان. إذ تكون حداثة الموضة بالعودة إلى ماضٍ سحيقٍ، أو التطلّع نحو مُستقبل بعيدٍ. لكنّ ما ينبغي أنْ يُفهم أنّ فرنسا لم تعُد تملك شيئاً من عالم موضة القرن التاسع عشر، وحضارة عصر الأنوار. إذْ إنّ حجم الارتباك والنقل والاجترار الحاصل داخل دور أزيائها، يجعل عشّاق الموضة العربيّة ينفضّون عنها.
تأتى ذلك بعد الانتقال صوب موضة القارة الآسيوية، الخاضعة لمنطق الجاهز والسرعة والعرض والطلب، و"تميّز" بعض بلدانها على مستوى صناعة التصاميم. هكذا، بدت الماركات الفرنسيّة وكأنّها تابعة لمنتوج هذه البلدان مادّة وشكلاً وصناعة. لكنّ ما يجعل هذه الموضة في الطليعة أنّها تتوفّر على إعلامٍ فنّي جيّد من جرائد ومجلّات، في وقتٍ لا يتوفّر فيه العالم العربي كلّه على أيّ مجلةٍ تُنافس VOGUE وBAZAAR، وتُرافق صنّاع الموضة العرب، وتُعرّف بمساهماتهم عالمياً. هذا إضافة إلى برامج فنيّة خاصّة تُعنى بالأزياء الفرنسيّة، وتُقدّمها داخل التلفزيون الفرنسي، بما يجعلها بالنسبة للمُشاهد العربي نموذجاً أيقونياً لصناعة الأزياء في العالم، بعد ماضٍ مجيدٍ عرفته منذ القرن الـ17.


ونجد حتّى بالنسبة للأسماء ذات الأصولٍ المغربيّة أنها نجحت في اقتحام أسواق الموضة الفرنسيّة؛ إذْ يجد المُتابع أنّها عاشت في فرنسا، وظلّت تُقدّم تصاميمها وفق أعراف المؤسّسة الفرنسيّة، فهي لم تخرج من أفقها، أو فكّرت يوماً بالعودة إلى جذورها الأفريقية، وابتداع قالبٍ جديدٍ لتصاميمها بالاشتغال على التراث العربي الغنيّ، الذي تحبل به المنطقة.
لكن، في مقابل هؤلاء، ثمّة مُصمّمون عرب كثر تجاوزوا حدود المنطقة العربيّة، وحلّقوا بتصاميمهم التراثية وجعلوها في قلب صناعة الموضة العالمية، عبر إضفاء لمساتٍ فنيّة أصيلةٍ قابلة للتجديد والتداول، ولا سيما من الجيل الجديد مثل: أميمة عزوز، سارة بنت محمّد، هند باني، فداء عساف، شروق سالمين. رغم ذلك، قد يُلاحظ المُتابع العربي نوعاً من تكرارٍ في اختيار بعض الأزياء التراثية، سرعان ما يعملون على توليفها مع النّمط الغربي على مُستوى الشكل. إلّا أنّ روحها تظلّ مُعلّقة، تهجس بتجريب الأساليب الشرقية، خاصّة على مستوى المادّة وتزاويقها.
تشترك الأزياء التراثية المغاربيّة في خاصية البساطة الفنيّة ونوعية الأقمشة والأشكال، لكنّها تختلف من منطقةٍ إلى أخرى من حيث الزخرفة وتزاويقها.
هذه الشروط الجماليّة ترتكز بالأساس على بُعدٍ أنثروبولوجيّ أكثر ممّا هو فنّي. إذْ يتعلّق بخصوصية المنطقة وعاداتها وتقاليدها، حيث يغلب اللون الأسود على العباءة في منطقة الخليج مثلاً، مقارنة بالمنطقة المغاربيّة الخاضعة حالياً لتأثيرٍ تركيّ بعد موجة المسلسلات التركيّة واكتساحها وتأثيرها على مُخيّلة المُصمّم المغاربيّ.

بهذا، تخضع التصاميم لمفاهيم العرض والطلب، واستغلال هذه الهستيريا الجماعية والاستثمار فيها تجارياً. وأغلب هؤلاء المُصمّمون يُحقّقون ثروات هائلة، وينسون مشاريعهم الفنيّة وتهذيبها جمالياً. يصعب اليوم، مغربيّاً، العثور على مُصمّم ينسج الأزياء على الطريقة التراثية. والسبب أنّ منطق الشركات التجارية لا يقبل الإبداع، وله أهدافٌ ربحية بعينها، إذ تجعلهم يلهثون وراء الاستثمار في "الموضة"، وصناعة الأزياء الاستهلاكية، بدل اجتراح أفق جماليّ لهذا النّمط الفنّي الضارب في عمق الحضارة العربيّة.

مع أنّ ثمّة عوامل تاريخيّة عدّة، جعلت المغرب خاضعاً للنمط الأندلسيّ على مستوى جلباب المرأة والرجل، وأيضا بالنسبة لقفاطين الأعراس والحفلات؛ إذ إن الثوب أكثر ثقلاً، وهو مُحمّل بأصداف وعقيقٍ تتّخذ ألواناً شتّى.

المساهمون