الآثار الغارقة: رحلة البحث عن تاريخ الإسكندرية تحت المياه

03 يناير 2021
من الآثار الغارقة المعروضة حالياً في متحف الإسكندرية (Getty)
+ الخط -

مشروع جديد للبحث عن الآثار الغارقة في الميناء الشرقي للإسكندرية أطلقته جامعة الإسكندرية في أول أيام العام الجديد 2021 وفقاً لبيانٍ أصدره رئيس الجامعة عبد العزيز قنصوة. المشروع يسمى Underwater heritage، ويترأسه مدير مركز الآثار البحرية والتراث الثقافي الغارق في الجامعة عماد خليل، وتشارك في المشروع اللجنة الوطنية لـ"اليونسكو" وبعض الشركاء الأوروبيين. 

وتُعَدّ الآثار المصرية المغمورة في مياه البحر المتوسط ثروة مخفية عن الأنظار، حيث لم يستخرج أكثر من 40 في المائة من تلك الآثار الفرعونية والإغريقية الواقعة في المدن الساحلية القديمة التي غمرتها مياه البحر، ولا يشاهدها سوى الغطاسين.  
جاءت أولى محاولات استكشاف تلك الآثار سنة 1910 على يد غاستون جونديه، كبير مهندسي مصلحة الموانئ آنذاك، حين اكتشف ميناء فاروس القديم الغارق على عمق حوالى ثمانية أمتار، ووصف جونديه أرصفة الميناء الضخمة وحواجز الأمواج وبعض المنشآت العملاقة التي شُيدت بأحجار يصل وزن بعضها إلى ستة أطنان. ورجّح جونديه آنذاك أن تلك المنشآت تعود إلى عصر الأسرة التاسعة عشرة، وأن رمسيس الثاني قد أمر بإنشائها لأغراض دفاعية. غير أن هذا الاحتمال لا تسانده قرائن قوية. 

جاءت أولى محاولات استكشاف الآثار الغارقة سنة 1910 على يد غاستون جونديه، حين اكتشف ميناء فاروس القديم الغارق على عمق حوالى ثمانية أمتار
 

أما عن سبب وجود هذا النوع من الآثار، فيقول العلماء إن مستوى أرض المدينة انخفض بنحو أربعة أمتار مما كان عليه في عصر البطالمة والرومان، وإن هذا الانخفاض حدث بالتدريج نتيجة تغيرات جيولوجية، أو زلازل عنيفة تعرضت لها المدينة في فترات متعاقبة، أو نتيجة ارتفاع مستوى البحر، بحيث طغت على مساحات واسعة من الشاطئ تقدَّر بنحو كيلومترين تقريباً، وهو ما أدى إلى غرق الجانب الأكبر من المدينة البطلمية بكل منشآتها ومبانيها العظيمة التي جاء ذكرها وتفاصيلها في مصادر تاريخية قديمة، مثل كتاب "الجغرافيا" للمؤرخ الروماني سترابو الذي زار مصر سنة 25 قبل الميلاد. 

في سنة 1933، ومن طريق الصدفة البحتة، لاحظ أحد الطيارين البريطانيين حين كان يحلِّق على ارتفاع منخفض فوق خليج أبي قير، أطلالاً غارقة تحت سطح البحر على شكل حدوة حصان، وهي الملاحظة التي دفعت الأمير عمر طوسون (1872 ــ 1944) إلى الاستعانة سريعاً بأحد الغواصين والبدء في صيف العام نفسه برحلة بحث يعود إليها الفضل في اكتشافات عديدة، منها معبد من الغرانيت الأحمر للإلهة إيزيس، ورأس رخامي للإسكندر الأكبر، إذ انتُشِلا بواسطة غواصين، وهما حالياً من مقتنيات المتحف البحري في الإسكندرية. وقد نشط الغواصون بعد ذلك في استكمال المهمة، فاكتشفوا موانئ ملكية خاصة، واستخرجوا مئات القطع الأثرية والعملات واللوحات والأواني والأدوات التي يعود معظمها إلى العصر الروماني. 

أطلقت جامعة الإسكندرية في أول أيام العام الجديد مشروعاً جديداً للبحث عن الآثار الغارقة في الميناء الشرقي للإسكندرية. ويحمل المشروع اسم Underwater heritage

فترت عمليات البحث والتنقيب مرة أخرى، إلى أن عادت من طريق صدفة جديدة في ستينيات القرن الماضي على يد أحد الغواصين الهواة، ويُدعى كامل أبو السعادات (1934ــ 1984) الذي صادف أطلالاً غارقة، حيث بذل جهوداً ذاتية كبيرة على مدى سنوات لاكتشافها واستخراج مقتنياتها. وبفضل أبي السعادات، وبتوجيهه، قامت مصلحة الآثار بمساعدة البحرية المصرية سنة 1962 بانتشال تمثال ضخم من الغرانيت طوله 17 سنتمتراً لإحدى ملكات البطالمة على هيئة الإلهة إيزيس، إضافة إلى ما انتشله أبو السعادات نفسه من أوانٍ فخارية وقطع من العملات الذهبية البيزنطية. وقد سلمها للمتحف اليوناني الروماني، إضافة إلى اكتشافه لمواقع ثلاث سفن فرنسية من أسطول نابليون. وكلّل أبو السعادات جهوده سنة 1964 برسم أول خريطة للآثار الغارقة في الميناء الشرقي التي تُعَدّ مرجعاً رئيسياً حتى الآن. 

ثم توقفت أعمال البحث التنقيب طويلاً حتى تسعينيات القرن الماضي، وفي عام 1996 أُسست إدارة الآثار الغارقة على يد إبراهيم درويش، بهدف الكشف والبحث والتنقيب وحماية وإحياء التراث الغارق. وفي1997 حُدِّد موقع ما يزيد على 1600 قطعة أثرية. وفي 2019 عثرت البعثة المصرية اليونانية في أعماق الماء على خزانات منحوتة وأحواض صخرية تعود إلى القرن الخامس قبل الميلاد على عمق كبير في منطقة الإبراهيمية المتاخمة للميناء الشرقي. 

يذكر أن الإسكندرية ليست الموقع الساحلي الوحيد الذي يضم آثاراً غارقة في مصر، فهناك مناطق أخرى أدت أعمال البحث فيها إلى اكتشاف العديد من الكنوز المغمورة في منطقة الساحل الشمالي الغربي، والبحر الأحمر. 

المساهمون