حتى الأمس القريب، لم تكن رندة كعدي تحظى بكل هذه الضجة التي حصدتها هذا الموسم، بعد مشاركتها في ثلاثة أعمال درامية تعرض حالياً على الفضائيات العربية، كاسرة بذلك طوق الممثلة النمطية، التي تكرر نفسها، بل تخرج من عباءة الشكل والمضمون في ثلاث حكايات مُركبة، أو معقدة جداً، لدور الأم.
حضرت رندة كعدي منذ زمن في مجموعة لا بأس بها من الأعمال الدرامية اللبنانية، لكن قدرتها سكنت حدوداً أو قيوداً لأسباب كثيرة، منها حدود الدراما اللبنانية القائمة على المحسوبيات والنصوص الضعيفة، ليأتي بعدها المسار الدرامي المعروف بالعربي المشترك، ويفتح الآفاق على مزيد من التحدي والمنافسة في إطار عملي.
عام 2017، قدمت رندة كعدي مسلسلين لبنانيين، الأول عنوانه "لآخر نفس" من إخراج أسد فولادكار، و"أدهم بيك" من إخراج زهير قنوع. لقطة واحدة من مسلسل "أدهم بيك" لكعدي، تكتشف فيها حمل ابنتها من دون زواج، كانت كافية لقلب مفاهيم التفاعل في أداء الأدوار. يومها، بدأت شرارة النجاح والشهرة المضاعفة تقرب من كعدي، وفعلاً حجزت لنفسها مكانة متقدمة في دور الأم، كإضافة لأي عمل تشارك فيه.
هذه السنة، لعبت رندة كعدي دور الأم في مسلسل "2020"، واستطاعت من المشهد الأول أن تحشد جمهوراً عربياً، متابعاً لهذا النوع من الدراما، يزيد بالطبع عن مجموع المتابعين للدراما اللبنانية المحلية، ويؤكد من دون أدنى شك أحقية هذه الممثلة في رسم طريق مستقبلي واعد لها في عالم الدراما.
"أم الديب" في مسلسل 2020، اعتمدت على دور الأم المغلوب على أمرها، في مجتمع يفيض كذباً وفقراً. تحاول إصلاح ذات البين بين أولادها الثلاثة من دون جدوى. ترتدي رندة كعدي دور الأم البسيطة من دون أخطاء تُذكر، وتحافظ على إيقاع دارمي مرتفع. تتناغم مع قصي خولي ومحيطها في المنزل، والحي الشعبي الفقير الذي تسكنه. لكن السياق الدرامي يفرض وفاة رندة كعدي منتصف المسلسل، بعد أن سجلت مجموعة نقاط لصالحها واستطاعت إقناع الجميع بأن دور "السنيد" ما هو إلا مفردة لا يعول عليها.
في مسلسل "راحوا" (كلوديا مرشليان ونديم مهنا)، تمسك كعدي بزمام الأمور، السيدة الأرستقراطية المتورطة بحوادث إرهاب. بعيداً عن تفاصيل المسلسل والضعف الكبير الذي يعانيه، سجلت كعدي مزيداً من النقاط لصالحها، لكونها استطاعت تأدية ما هو مطلوب منها بتقنية عالية.
ولم تتراجع كعدي أيضاً في مسلسل "للموت" (نادين جابر وفيليب أسمر)، فتغيرت في الشكل والمضمون، وقدمت لوحة جيدة عن سيدة تعيش بمفردها، وتحاول مساعدة من حولها بعد أن عملت سابقاً كمسؤولة في دور رعاية للأطفال اليتامى، وتحمل في ذاكرتها حكاية بطلتي المسلسل؛ دانييلا رحمة، وماغي بو غصن.
لا تقل رندة كعدي في أدائها عن نجوم عرب استطاعوا القفز فوق السور المعروف بالدور، ووزعوا على المشاهد تابلوهات تبقى مع الزمن طويلاً، رغم هشاشة بعضها، لكن ذلك لا يلغي اكتشافنا، ولو متأخرين، لسيدة تحمل كل هذا النزق في العمل، وتحرك دورها بحرفية ننسى معها أننا أمام ممثلة، وما يحيط بها من تقنيات وأضواء.