ابتكارات أدبية وفنية لسينمائيين غربيّين: صنيعٌ يعكس بسخريةٍ مرارة عيشٍ

21 يناير 2022
السينمائي الأميركي وودي آلن: عازفٌ وكاتبٌ أيضاً (جارود هاريس/وايرإيماج)
+ الخط -

 

سينمائيون غربيون عديدون يؤلّفون كتباً، تكون نصوصاً أدبية وقصصاً قصيرة وروايات وشعراً. القول بأنّ كتباً لهؤلاء تنعكس فيها أساليب اشتغالاتهم السينمائية ساذجٌ، رغم أنّ مؤلَّفات مختلفة لن تكون، بالضرورة، امتداداً طبيعياً لأفلامٍ يُنجزونها بين حينٍ وآخر.

هناك من يروي سيرةً، أو ينشر مذكّرات أو يوميات متعلّقة باشتغالٍ أو تفكيرٍ أو إحساسٍ. للفرنسية كاترين دونوف، مثلاً، كتابٌ بعنوان "في ظلّ نفسي" (ستوك، باريس، 2004)، تحكي فيه يوميات اشتغالها في 6 أفلامٍ. يوميات تتحوّل إلى مرايا ذاتٍ وروح وانفعالات (هناك أيضاً حوارٌ طويل معها، بتوقيع باسكال بونيتزر). الرسائل المتبادلة بين سينمائيّ وآخر، أو بين سينمائي وأي آخر، تجد مكاناً لها في المشهد.

كتبٌ تروي أشياء عن أفرادٍ وذوات. تصنع بالكلمات لوحات، عن عيشٍ وعلاقات. هذا عاديّ. السينمائي يحتاج، أحياناً، إلى أداة تعبير تختلف عن اشتغاله في جعل الصورة مرآة، تتنوّع الانعكاسات فيها. الأداة، بدورها، متعدّدة، إذْ يختار سينمائيون فنوناً غير الكتابة لقولٍ يتماشى مع أهواءٍ ورغباتٍ وانفعالاتٍ، يريدون إخراجها من نفوسهم وعقولهم. بعض هؤلاء يعزف الموسيقى ويؤلّفها. بعضٌ آخر يرسم لوحات. هناك من يخرج من الآداب والفنون، كأنْ يُصمّم أزياء أو يهتمّ بأحذيةٍ، وتصميمات كهذه فنٌّ أيضاً.

 

 

هذا يُلغي كلّ حدّ فاصل بين هوايةٍ ومهنة. الهواية تُصبح جزءاً من حياةٍ يومية، والمهنة تُكمِل شيئاً من هوايةٍ، أو تجعل نواتها وظيفةً، تتجاوز التفسير المتداول للمفردة. الآداب والفنون مهنٌ، يتمكّن كثيرون من جعلها أكبر وأعمق من أي وظيفةٍ تقليدية. بعض هؤلاء يُتقن مهنته، وإنْ تكن المهنة عملاً سينمائياً. هذا أيضاً جزءٌ من الاشتغال الفني. لكنّ المهنة تُكمِل هوايةً، والهواية تُصبح مهنة، طالما أنّ فيهما حِرفية اشتغال، وبراعة إتقان، وجمال خلق. طالما أنّ فيهما حياةً.

في زمن كورونا، وفي سابقٍ عليه، يختار ناقدٌ أو سينيفيليّ أو مهتمّ بالفنّ السابع نتاجاً أدبياً لمخرجٍ، أو يُتابع عملاً فنياً لآخر. الاستماع إلى عزفٍ أو مقطوعةٍ موسيقيّين لسينمائيّ سهلٌ غالباً، فالتقنيات الحالية تُسهِّل تحقيق رغبةٍ كهذه. لوحاتٌ متفرّقة يُمكن الاطّلاع عليها بفضل تلك التقنيات أيضاً. التصاميم، إنْ تُنشر على مواقع معيّنة، تُصبح مُلك راغبين في معاينتها. اختياراتٌ كهذه لن تُبعد ناقداً أو سينفيلياً أو مهتمّاً عن أصل المهنة، فالأفلام أساسية، والفنون الأخرى يُمكن أنْ تكون أساسية أيضاً، لكنّها تبقى مُلحقة بالنواة الأصلية لمهنةِ السينمائيّ. التفضيل بين فيلمٍ وكتابةٍ وتأليفٍ وتصميمٍ غير ناجعِ، فكلٌّ منها يعني ركناً رئيسياً من أركان الخلق الفني للسينمائيّ.

في زمن كورونا، تُلحّ القراءة على ناقدٍ، أكثر من أي فنّ آخر. المؤلَّفات حاضرةٌ. الأسماء عديدة. العودة إلى قديمٍ لن تحول دون إعادة اكتشاف متعة قراءة كتبٍ كهذه، وآخرها للبولندي كشيشتوف كيسلوفسكي "حالةٌ ونصوصٌ أخرى" (مترجم إلى الفرنسية بـLe Hasard Et Autres Textes، مارغو كارلييه، آكت سود، 2001)، إضافة إلى حوارٍ طويل مع هانا كْرال، بتوقيع كارلييه، عن اشتغالها معه، وعلى نصوصه. قبل هذا الكتاب، هناك "مجرّد فوضى" لوودي آلن (مترجم إلى الفرنسية بـL’Erreur Est Humaine، نيكولاس ريتشارد، فلاماريون، 2007).

الإصدارات قديمة. هذا لن يكون عائقاً أمام متعة إعادة اكتشاف نبض حكايات، مروية بشغف منقِّبٍ عن أهوالٍ وارتباكات وأحلامٍ ورغبات، بكلّ ما يملكه الكاتب من مخزونٍ ومعرفةٍ واختبارات، تكشف النصوص بعضاً منّها، وشيئاً من أساليب، تُفكِّك ذاتاً وروحاً، وتسخر من حياة وواقع.

المساهمون