يصعب التغاضي عن المسألة: أشباه نجوم، من ممثلين وممثلات، وعاملون في صناعة السينما المصرية، يشنّون حملة ضد "ريش" لعمر الزهيري، فور عرضه في الدورة الـ5 (14 ـ 22 أكتوبر/ تشرين الأول 2021) لـ"مهرجان الجونة السينمائي" (جائزة نجمة الجونة لأفضل فيلم عربي روائي طويل، 20 ألف دولار أميركي)، لأنّهم يرون فيه "إساءة إلى سُمعة مصر"، أو مجرّد "فيلم تافهٍ"، والوصف الأخير خلاصة أوصافٍ تُشبهه، يُطلقها صنّاع أفلام (إخراجاً وتصويراً على الأقلّ)، لهم سيرة سينمائية حاضرة في التاريخ الحديث للفن السابع المصري.
لكلّ واحد رأي وأسلوب يعتمده في التعبير عن هذا الرأي، والأسلوب يعكس شخصيّته وسلوكه وتفكيره وتربيته وثقافته ووعيه. بعض قليل يريد نقاشاً جدّياً. بعضٌ آخر يتسلّح بوطنية مقيتة، أو بمفردات قريبة من الشتم، لأنّه غير معجب بـ"ريش"، وبأفلامٍ راسخة في ذاكرة السينما المصرية، تبقى أهمّ وأعمق وأجمل من سهولة الشتم، وتفاهة قائلين به.
هذا سجال سينتهي قريباً، كعادة السجالات الباهتة والبليدة في القاهرة.
المأزق الأخلاقيّ كامنٌ في مسألة أهمّ وأخطر، إذْ يتغاضى هؤلاء وغيرهم عن إهانةٍ يتعرّض لها سينمائيون فلسطينيون في مطار القاهرة، لسببٍ يُمنع الإعلان عنه رسمياً. سلطة عبد الفتّاح السيسي وجماعته منخرطةٌ في إهانة الفلسطيني، رغم تمكّن فلسطينيين آخرين من الدخول إلى مصر، والمشاركة في "مهرجان الجونة" نفسه، لأسبابٍ غير معروفة البتّة. هذا تناقض يبدو مقصوداً، كمن يريد تأديباً للفلسطيني من ناحية، وإظهار انفتاح عليه من ناحية أخرى.
هذا لن يحول دون السؤال عن سبب غياب تلك الأصوات، الصارخة فراغاً وضجيجاً من أجل لا شيء، عن مسألة تُهين مصر وشعبها، وتُسيء إلى سُمعة مصر وشعبها، وهؤلاء الصارخون جزءٌ من الشعب المُهان والمُساء إلى سُمعته، وهم صامتون وراضخون.
إهانة الفلسطيني لأنّه فلسطيني (لا سبب آخر يدعو إلى منع الفلسطيني من الدخول إلى مصر، أقلّه بانتظار جرأة نظام قاتل على إعلان السبب الحقيقي رسمياً) فعلٌ فاشيّ عنصريّ يتكامل وأفعال ذاك النظام، غير المتردّد أبداً عن إعدام شبابٍ بتهمة جُرمية، يتبيّن بعد أشهر قليلة فقط أنّهم أبرياء منها، وغير المتردّد عن سجن أناسٍ بسبب آراء لهم غير عنيفة، وغير محرّضة على قتل وسرقة وفساد ونهب، وغير متناقضة مع حبّ صافٍ وحقيقي وصادق للبلد ولناس البلد، بخلاف أولئك الصارخين جهلاً وغباءً عن سُمعة مصر وسُمعة شعب مصر.
إهانة الفلسطيني لأنّه فلسطيني غير مُسيئة إلى تلك السُمعة، التي يتفنّن نظام عبد الفتّاح السيسي وجماعته في صُنع كلّ ما يُسيء إليها، في أسوأ مرحلةٍ في التاريخ الحديث لمصر، كامتدادٍ لمراحل حُكمٍ تتفاوت أشكال إساءاته إلى مصر وسُمعتها، منذ "ثورة 25 يوليو" (1952) على الأقلّ. أمّا الفلسطيني، في المراحل تلك، فغائبٌ من كلّ اهتمامٍ، باستثناء لحظات ترتبط بمصالح هذا النظام أو ذاك، علماً أنّ السينما المصرية منحازة، بشكلٍ شبه كامل، إلى أفلامٍ عن حروب مصر ضد إسرائيل، أكثر بكثير من أي اهتمامٍ، ولو بسيط، بالفلسطيني، رغم استثناءات نادرة، أحدها "باب الشمس" (2004) ليُسري نصرالله، المقتبس عن رواية بالعنوان نفسه (1998) للّبناني الياس خوري.
إهانة الفلسطيني غير مُسيئةٍ إلى سُمعة مصر وشعبها، بينما "ريش" وأفلام مصرية أخرى تُسيء إليها لتوغّلها في وقائع يعيشها مصريون كثيرون.
أيّ خرابٍ هذا؟ أيّ خنوع وبهتان؟