إنانا راشد: في المسرح أستطيع الانعزال عن فوضى العالم

15 ابريل 2022
تنتمي راشد إلى جيل فني واجه ظروفاً سياسية وفنية قاسية (حسام شرباتي)
+ الخط -

بدأت الممثلة السورية الشابة إنانا راشد عملها في الدراما التلفزيونية عقب تخرجها من "المعهد العالي للفنون المسرحية" عام 2017. وشاركت في مسلسلات منها "شارع شيكاغو"، و"عن الهوى والجوى"، و"أثر الفراشة"، بالإضافة إلى "إيكو" الذي يعرض على منصة "تِن تايم" الجديدة.

وفي حديث عن الطريقة التي دخلت بها راشد إلى عالم الفن، تقول إنانا راشد في لقاء مع "العربي الجديد": "دخلت إلى المعهد العالي للفنون المسرحية بمحض الصدفة، فلم أكن أخطط للأمر بوقتٍ مسبق كباقي زملائي، لكن عندما بدأت دراسة التمثيل في المعهد وجدت فيه نفسي. وبعد تخرجي المعهد، بدأت أعيش مخاوفي المهنية التي تتعلق بالقلق من البقاء في البيت وعدم إيجاد فرص عمل؛ لذلك تابعت دراستي، لأحصل على دبلوم بالفنون السينمائية من المؤسسة العامة للسينما. أنهيت دراستي بإخراج فيلم قصير. بعدها بدأت عملي في الدراما التلفزيونية عام 2018".

تضيف راشد: "حقيقةً، لا أعرف جيداً توصيف المكانة التي وصلت إليها، فلا يزال لدي الكثير من الأشياء التي أرغب في القيام بها ولم أحققها بعد، كأن أعمل في المسرح الذي يعطي الممثل أرضية تدعمه في مسيرته وتساعده على مراكمة الخبرات، والذي يحوي على مساحة أكبر من الحرية تجعل الممثل يتمكن من أدواته وسط بيئة جيدة للتجريب تمكنه من الانعزال عن الفوضى في العالم. للأسف، لم أشارك بأي عمل مسرحي منذ التخرج، وأرغب في العمل في عرض مسرحي، ولو كان بسيطاً. أعتبر أنني ما زلت في طور التأسيس، وما زلت أحاول بناء مسيرة جيدة حتى الآن... أحاول أن أتلمّس طريقي للعمل والتعلم، وما زلت أحتاج إلى كثير من الخبرات".

حتى أنجو، أحاول أن أبحث عن مشاريع فنية تشبهني قدر الإمكان

الجيل الفني الذي تنتمي إليه إنانا راشد واجه ظرفاً خاصاً زاد من صعوبة تأسيس مسيرة فنية ترتقي للنجومية؛ فمن غير السهل على الممثل أن يبدأ مسيرته في ظل الحرب القائمة في البلاد، خصوصاً في ظل عدم قدرة شركات الإنتاج على التسويق لجيل جديد من النجوم السوريين، والاكتفاء بالاعتماد المفرط على النجوم المرسخين قبل عام 2011. تعقب راشد على ذلك: "بالنسبة لي، أرى أن مفهوم النجم هو موضوع شائك، خصوصاً في هذا الوقت وبوجود مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يستطيع أي شخص أن يصبح نجماً في أي لحظة. ما يميز الفنان، برأيي، هو أن يكون صاحب مشروع مثلاً؛ إذ لا يقف دور الممثل بلعب الدور بشكل وظيفي، بل هو التماهي وإيجاد التفاصيل التي تخدم المادة المقدمة، ورسالة من الشخصية التي يؤديها، فيحتاج مساحة ليست متوفرة حالياً. المشكلة أنه لا توجد شركات إنتاج تغامر مع الخريجين الجدد، لأنهم ينصاعون لمعايير السوق، من دون التفكير في قيمة المشروع الفني، رغم أننا شهدنا العديد من التجارب الجديدة الموجهة للخريجين الجدد والمخرجين الشباب، لكنها تجارب غير متكاملة، لأنها تقع في المطب نفسه المتعلق بمتطلبات السوق، وبالتالي بعيدة عن المتلقي، فلا تتحقق حالة التطهير التي يجب أن يصل إليها العمل الفني".

تضيف راشد: "أحياناً، يجب عليك كممثل ألا تكتفي بانتظار الفرص التي تقدمها شركات الإنتاج والمخرجين، بل عليك أن تتحرك لتخلق الفرصة، وذلك ما نقوم به في مشاريع الشباب الطموحين ذات الميزانيات المنخفضة. يجب علينا ألا ننسى الهدف الأساسي من المهنة، فمن غير اللائق أن يتعامل الممثل مع نفسه على أنه مجرد أداة في عملية صناعة الدراما، وأن يتعامل مع المشاريع الفنية التي يشارك فيها كفرص عمل لا تعنيه، فمن المفترض أن يكون جزءاً من المشروع الفني، وأن يعمل على إنجاحه".

في هذا الظرف المعقد، كيف يمكن للفنان الجديد أن ينجو، ويرسم مساراً فنياً يتوافق مع أفكاره؟ تجيب راشد: "حتى أنجو، أحاول أن أبحث عن مشاريع فنية تشبهني قدر الإمكان. فإذا كنت موجود في سورية في هذه الفترة، ما الذي يمكنك فعله أكثر من ذلك؟ وكيف ستتمكن من ترك بصمة خاصة؟ إنه أمر صعب بكل تأكيد؛ نحن هنا مجرد أرقام وغير قادرين على تغيير أي شيء، وهذا ما يتم تأكيده مع كل حدث جديد. على سبيل المثال، كان فيروس كورونا صفعةً قويةً لنفهم أن كل الأفكار الرومانسية التي نحاول أن نرسمها عن الواقع غير صحيحة، لذلك يجب على الأقل أن يكون الفنان راضياً عن نفسه، وأن يعيش تجربته بطريقته المختلفة، من دون التفكير بشكل مبالغ به في معايير النجومية التي أصبحت شائكة. لكن، تبقى هناك محاولات لتحريك المياه الراكدة، إلا أنها تبقى محاولات تفتقر بشكل الكبير إلى الدعم والتبني. شخصياً، أجد أن دعم هذه المحاولات والتورط فيها هو خطوة لخلق تيار مختلف".

نحتاج إلى حركة فنية لكسر الصور النمطية والشكل النمطي للأداء وللممثل

وعن كيفية تعامل شركات الإنتاج مع الخرّيجين الجدد ومحترفي التمثيل، تقول راشد: "حالياً، يتم التعاطي مع الخريج بمنيّة، بمنطق مفاده: أعطيناك فرصة وكان من الممكن أن نجد بديلاً بسعر أرخص. بالنسبة لشركات الإنتاج، نحن في الدرجة الرابعة، فهم يستطيعون بأي لحظة الاستغناء عنّا، وإيجاد أكثر من بديل، إنهم يستغلّون حاجتنا لفرص العمل فعلياً، والمشكلة أنه في معظم الأحيان نضطر إلى قبول هذه الشروط، لأنه لا توجد خيارات أفضل للعمل ومراكمة الخبرات وتحقيق الانتشار".

نلاحظ في سورية أن أشكال الممثلين الجدد، وأداءاتهم باتت متقاربة، فلماذا يحدث ذلك؟ وما هي معايير اختيار الممثل؟ تجيب راشد: "منصات التواصل الاجتماعي أدخلتنا في دوامة المفاهيم والمعايير المثالية، وذلك انعكس بدوره على شكل وحضور الممثلين على الشاشات؛ فباتت عمليات التجميل والصورة المصطنعة الدارجة من معايير اختيار الممثلات والممثلين، لتشعر أن كل ثنائي جديد يقدم بصورة تشبه باربي وزوجها، بصورة وأداء جامدين، ما يؤدي إلى انسلاخ الدراما عن الجمهور الذي لم يعد يتقبلها. نحن نحتاج إلى حركة فنية لكسر الصور النمطية والشكل النمطي للأداء وللممثل. لتطبيق هذه الفكرة، حاولت مرّة أن أقترح على مخرج مسرحية أطفال أن تؤدي دور الأميرة فتاة بدينة، لإيصال مفهوم للأطفال بأنّ البدانة ليست عيباً. رفض المخرج الاقتراح واعتمد على الصورة النمطية ذاتها، لذلك يصعب التغيير لأن القرار مرتهن بيد رؤوس الأموال".

عمّا إذا كان الممثل يملك رفاهية الاختيار، وعن دور المنصات التي تقدم مسلسلات قصيرة على الإنترنت بدعم الممثل السوري، تقول: "نحن لا نملك رفاهية الاختيار أبداً، ونادراً ما نتمكن من رفض الأعمال، فالخريج بحاجة إلى الانتشار، ويضطر إلى التعامل مع أي خيار على أنه فرصة، وهنا تكمن المشكلة؛ فغالباً ما يقبل بأداء دور صغير بعشرة مشاهد فقط، بسبب الضغط المادي. أما المنصّات، فأثرها إيجابي بكل تأكيد، لأنها تزيد من كمية الفرص، ولأن جمهور المنصّات مختلف، وبالتالي تملك مساحة حرية أكبر بالتعاطي مع الدور؛ مساحة حريّة أكبر بالمقارنة مع المسلسلات التي ستقدم في رمضان وعلى التلفزيون، لأن التلفزيون يدخل كل بيت ولا تستطيع إجبار المشاهد على تقبل أسلوبك، بينما في المنصّة يكون المشاهد مسؤولاً عمّا يريد مشاهدته، وإجمالاً يكون الجمهور مختلفاً. لذلك فإن العمل في المسلسلات التي تنتجها المنصّات من المفترض أن يكون أكثر متعة، لكن ليس هناك فرق كبير عندنا، لأننا نتعامل معها تماماً كما التلفزيون".

عن دورها في مسلسلها الجديد "إيكو"، وعن الطريقة التي تجعلها تقدم الشخصية بشكل مختلف، تقول راشد: "العمل مع المخرج محمد عبد العزيز ارتجالي دائماً، هو متعب ولكنه ممتع. شخصيّاً أتعاطى بعفوية كبيرة وأحياناً أنسى موقع الكاميرا، أحاول أن أكون قريبة من الجمهور وأن أتصرف من دون تكلّف. الشخصية التي أؤديها هي فتاة محجّبة تدرس الفنون الجميلة، وتذهب إلى البار، فهي متدينة بشكل مختلف، بدون تطرّف، وهذا ما جذبني إليها. أما طريقتي في تقديم الشخصية بالشكل الأفضل، فهو الدفاع عنها وإيجاد المبررات لكل ما تقوم به حتى لو بدا متناقضاً؛ فإذا نجحت في إظهار هذه المبرّرات للجمهور وتمكنت من إقناعه بأنه الشخصية موجودة في حياتنا وليست سيئة حتى، ولو اختلف معها، أكون نجحت في تقديم الدور".

المساهمون