حارب النظام السوري العاملين في المجال الإعلامي منذ الانطلاقة الأولى للثورة عام 2011. كان من المتوقع أن يكون الوضع في المناطق التي تخرج عن سيطرته أفضل حالاً بكثير، لكن بعض الجهات التي سيطرت عليها مارست تصرّفات قمعية شبيهة بالنهج الذي كان يسير عليه النظام خلال سنوات الثورة وما قبلها، ما خيّب آمال كثيرين من العاملين في هذا المجال، خاصة بعد قتل واعتقال صحافيين وناشطين كانوا يغطّون الأحداث في تلك المناطق.
طفت على الواجهة أخيراً الكثير من التطورات المتعلّقة بالحريات الإعلامية في مناطق ما يسمى بـ"الجيش الوطني السوري" المعارض المدعوم من تركيا التي تمتد على مساحات واسعة من أرياف حلب والرقة والحسكة، كان ضحيتها ناشطون تطرّقوا لانتقاد ممارسات هذا الجيش والمؤسسات والفصائل التابعة له على وسائل التواصل الاجتماعي.
وقبل أيام أطلق ناشطون وصحافيون عاملون في مناطق الشمال السوري، الخاضعة لسيطرة الجيش الوطني، حملة عنوانها "لا تكتموا الأصوات"، للدفاع عن الحريات الإعلامية، والمطالبة بوقف حملات الاعتقال التي يتعرّض لها الناشطون بسبب التعبير عن آرائهم، وتسليط الضوء على أخطاء الجهات المسيطرة هناك. وشارك ناشطون صورهم وهم يغلقون أفواههم بأيديهم تحت عنوان الحملة، وطالبوا "الجيش الوطني السوري" والشرطة العسكرية التابعة له بوقف اعتقال الإعلاميين، على خلفية التعبير عن آرائهم وانتقاد تجاوزات الفصائل العسكرية في المنطقة.
يشير رئيس "مركز الحريات الإعلامية" في "رابطة الصحافيين السوريين"، إبراهيم حسين، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الحريات الإعلامية في المناطق السورية هي في حدودها الدنيا، ومناطق سيطرة الجيش الوطني لا تختلف عن باقي المناطق، والصحافيون العاملون دائماً في حالة قلق من الاحتجاز أو الاعتداء إذا ما حاولوا كشف الانتهاكات التي تحصل في هذه المنطقة، ورصدنا الكثير من حوادث الاعتداء بسبب تغطية هؤلاء الإعلاميين للانتهاكات الحاصلة ومجرّد تسليط الضوء عليها".
ويضيف حسين أن "كثرة الأجسام التي تعنى بشؤون الصحافيين جعلت المسؤولين هناك في حيرة، فكثرة المرجعيات أفقدت الأمر أهميته"، مشيراً إلى أنّ "هناك خطوة لتوحيد هذه الأجسام تمثّلت بانضمام ثلاث مؤسسات هي (رابطة الصحافيين السوريين) و(نادي الصحافيين السوريين) و(اتحاد الإعلاميين السوريين) إلى (المجلس الأعلى للإعلام)، والهدف منها توحيد المرجعية واتخاذ مواقف أقوى في حال حدوث أي انتهاك ضد أي صحافي".
ويؤكّد أن "الكثير من الانتهاكات التي وثّقت في المنطقة تمثّلت بمنع الإعلاميين من التغطية، بينما كانت السلطات هناك تسمح للصحافيين الأتراك العاملين في المنطقة بتغطية الأحداث وخاصة التفجيرات وعمليات القصف"، مبيناً أن هذا "تصرف غير مفهوم".
وتلفت تعتبر مديرة قسم التقارير في "الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، سمية الحداد، في حديث إلى "العربي الجديد"، إلى أنّه "في مناطق سيطرة قوات الجيش الوطني هناك سطوة كاملة للمجالس المحلية على الواقع الإعلامي في كافة المدن والبلدات، فلا يمكن تصوير أي مادة إعلامية من دون الحصول على موافقة المجلس التي يستغرق الحصول عليها عدة أيام، عدا في حالات وقوع حوادث تفجير وقصف حين يمكن التصوير من دون الحصول على إذن مسبق".
وتشير الحداد إلى أن "الإعلاميين الموالين للفصائل العسكرية يحصلون على امتيازات دون غيرهم، تسهل عملهم مقابل الترويج لتلك الفصائل"، وأن الكوادر الإعلامية في المنطقة "تتعرّض للتضييق وعدم السماح بحرية التعبير، وفي حال نشر الإعلامي أي انتقاد أو آراء مخالفة لقوات الجيش الوطني يتعرض للاعتقال أو الخطف بتهمة العمالة".
يقول ميلاد شهابي، وهو صحافي يغطي الأحداث السورية في مناطق سيطرة "الجيش الوطني السوري"، لـ"العربي الجديد"، إن "واقع الحريات الإعلامية سيئ في سورية بشكل عام، لكن الأفضل في مناطق سيطرة الجيش الوطني، والأرقام تؤكد ذلك، فالانتهاكات الموثّقة تشير إلى أن مناطق سيطرة النظام و(قوات سورية الديمقراطية) و(هيئة تحرير الشام) سجّلت انتهاكات أكثر، وهذا يشير إلى أنه لا توجد سياسة ممنهجة لمحاربة العمل الإعلامي الحر".
ويشير إلى أن "منطقة سيطرة الجيش الوطني شهدت العديد من الانتهاكات، لكن ما يميّزها عن غيرها أن هناك أصواتاً ترتفع إن كان من قبل إعلاميين مستقلين أو أجسام صحافية، بهدف وقف الانتهاكات وعدم تكرارها وإطلاق سراح أي صحافي يتم اعتقاله على يد تلك القوات التابعة للجيش الوطني".
ويضيف الشهابي أنّ "الإعلاميين العاملين في هذه المناطق هم الوحيدون الذي يكشفون ويوثّقون ما يحصل فيها من انتهاكات، فالانتهاكات في مناطق السيطرة الأخرى لا يرشح منها إلا القليل، لكن إعلاميي الشمال يغطّون دائماً الاعتداءات على المدنيين والأملاك في مدن عفرين وأعزاز وتل أبيض ورأس العين، وهناك خمسة أجسام لحماية الصحافيين لها مكاتب في المنطقة، ويوجد العديد من الناشطين الذين يعملون لصالح وكالات عالمية بحرية".
وثّق "المركز السوري للحريات الصحافية"، في "رابطة الصحافيين السوريين"، وقوع سبعة انتهاكات ضد الإعلام في سورية خلال أكتوبر/ تشرين الأول الفائت، وأشار إلى أن حالة التضييق على الحريات الإعلامية شكلت السبب المباشر للانتهاكات الموثقة. وفي تقرير أخير لمنظمة "مراسلون بلا حدود"، تذيّلت سورية مجدداً قائمة الدول التي تفرض قيوداً على العمل الصحافي، وجاءت في المرتبة الـ173 من أصل 188 بلداً شملها مؤشر المنظمة الحقوقية، بعد أن وصفتها في تقريرها السابق بأنها واحدة من أكبر سجون الصحافيين في العالم.