كانت شبكة "فوكس نيوز" المنصة الرئيسية لعرض أفكار الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، ومصدر أفكاره في كثير من الأحيان. يوم الأربعاء، نُصّب جو بايدن، رسمياً، رئيسًا للولايات المتحدة الأميركية. نقلت كلّ القنوات الحفل الذي قدّمه توم هانكس ليلها، لكنّ "فوكس نيوز" لم تفعل، بل خرج مذيعها شون هانيتي ليسخر من بايدن ودعوته إلى الوحدة.
بقيت القناة قريبةً جداً من ترامب إلى آخر أيامه، تحديداً تزامناً مع الانتخابات وما تلاها من أحداث، بدأت النبرة فيها تتغيّر، وبدأ مراسلون ومذيعون فيها يخالفون ترامب وتصريحاته، مع بقاء أهم نجومها، كأمثال شون هانيتي وتاكر كارلسون، على مقربة منه لتغذية التضليل والآراء المتطرفة. فما هي التغييرات التي ستشهدها الشبكة اليمينية بعد مغادرة أحد أسباب شعبيتها خلال السنوات الأخيرة، البيت الأبيض؟
يقول تحليل نشرته شبكة "سي إن إن" بعنوان "مع خروج ترامب، ستنتهي رئاسة فوكس نيوز"، إن "فوكس نيوز" حظيت خلال رئاسة ترامب بفرصة غير مسبوقة، إذ لم تكن المصدر الأساسي للأخبار بالنسبة للحزب الجمهوري فحسب، بل كانت أيضاً المصدر الأساسي للرئيس ترامب نفسه. وتضيف الشبكة: "كان من الممكن أن تستغل الشبكة الفرصة للتصرف بمسؤولية. كان بإمكانها الاستفادة من اتصالاتها داخل الدائرة الداخلية لترامب والحزب الجمهوري لمضاعفة التقارير وكشف بعض الأخبار الحقيقية. كان بإمكانها، على أقل تقدير، إيصال الحقيقة القاسية إلى الملايين الذين اعتمدوا عليها للحصول على معلومات دقيقة وموثوقة. لكنها لم تفعل أياً من هذه الأشياء". وتشير "سي إن إن" إلى أنّه "بدلاً من ذلك، اختارت "فوكس نيوز" الركض في الاتجاه المعاكس. أصبحت ساعات "الأخبار المباشرة" المزعومة "أكثر ترامبية". سجل مذيعوها عشرات المقابلات مع ترامب، لكن في معظم الحالات، بدلاً من الضغط عليه بأسئلة صعبة، شجعوا على أسوأ ميوله من خلال إطعامه نظاماً غذائياً ثابتاً من القصص المفرطة في الحزبية والمعلومات المضللة".
تعتبر "سي إن إن" أنّه كان من الممكن لمالك "فوكس نيوز"، وهو إمبراطور الإعلام الأسترالي الأميركي روبرت مردوخ، أن يضع حداً لها "بلمسة إصبع"، لكنه بدلاً من ذلك شارك شخصياً في تغيير برمجة "فوكس" النهارية، من خلال استبدال الأخبار بمزيد من محتوى الرأي والتعليق. واعتادت "فوكس نيوز" على التفاخر بأنها تتتربع على عرش تصنيفات المشاهدة، لكن القناة باتت عالقة في المركز الثالث، لذا هذه التغييرات في القناة قد تكون محاولة للعودة إلى القمة.
كانت فوكس نيوز مصدر ترامب للأخبار وماكينة تكرار ادعاءاته
فقدت المذيعة، مارثا ماكالوم، وقت عرضها في الساعة 7 مساءً، وصارت تطل على الجمهور عند الساعة 3 عصراً. وفي أول ظهور لها في الساعة 3، تألفت قائمة ضيوف ماكالوم من قائمة طويلة من النقاد المؤيدين لترامب، في حين كان موقفها عدائياً. وأضحى بريان كيلميد، الإثنين الماضي، أول من يقدم برنامج Fox News Primetime، حيث تحدث عن ادعاءات الرقابة والترويج للخوف حول قافلة مهاجرين. توجُّه البرنامج هو منافسة Newsmax، الشبكة اليمينية المتطرفة التي سرقت حصة من جمهور "فوكس"، تحديداً بعدما خالفت الشبكة آراء ترامب وأعلنت فوز بايدن في ولايات أميركية كان ترامب يترقبها ليربح.
واعترفت "فوكس نيوز" بفوز بايدن، لكن، وفقاً لتقارير منظمة "ميديا ماترز فور أميركا"، ففي الأسبوعين التاليين "ألقت الشبكة ظلالاً من الشك على نتائج الانتخابات 774 مرة على الأقل". ووفقاً للإذاعة الأميركية العامة NPR، قال مقدم برنامج Fox Business، لو دوبس، إن معارضي ترامب في الحكومة مذنبون بتهمة "الخيانة"، وإن اعتراف الجمهوريين بانتصار بايدن سيكون "جريمة". وقال المذيع في الشبكة، مارك ليفين، للمشاهدين: "إذا لم نقاتل في 6 يناير/كانون الثاني على أرضية مجلسي الشيوخ والنواب، وهذا هو الاجتماع المشترك للكونغرس بشأن هؤلاء الناخبين، فسنكون انتهينا".
وكان "المتمردون" المؤيدون لترامب يستمعون إلى هذه النصائح، وليس فقط تصريحاته ودعواته لهم بالاحتجاج وتحريضه على العنف، قبل أن تسكته منصات التواصل الاجتماعي. وذكرت صحيفة "واشنطن بوست" أن آشلي بابيت، التي قُتلت داخل الكونغرس خلال الهجوم على الكابيتول، "كانت من المشاهدين المتحمسين لـ"فوكس نيوز"، إذ أشادت بتاكر كارلسون وشخصيات إعلامية أخرى من اليمين المتطرف على الشبكة". من جانبها، تقول صحيفة "نيويورك تايمز" إنّه "لطالما كانت "فوكس" الشبكة المفضلة للمقاتلين الموالين لترامب. الرجل الذي أرسل القنابل بالبريد إلى "سي إن إن" في عام 2018 شاهد قناة "فوكس نيوز" وتعامل معها بتقديس".
ويرى الكاتب ماكس بوت، في مقال رأي له نشره في "واشنطن بوست"، بعنوان "ما كان لترامب أن يحرض على الفتنة بدون مساعدة فوكس نيوز"، أنّ الشبكة تمتلك نسخة خاصة ببريطانيا، لكن للبلاد مؤسسة تنظيمية تفرض غرامات باهظة عندما يُنتهك الحد الأدنى من معايير الحياد والدقة. ويتابع أن الولايات المتحدة لم تتبع ممارسة مماثلة لبريطانيا منذ أن توقفت لجنة الاتصالات الفيدرالية عن فرض مبدأ "الإنصاف" في الثمانينيات. "كرئيس"، يقول بوت، "يحتاج بايدن إلى تنشيط لجنة الاتصالات الفيدرالية، وإلا فإن الإرهاب الذي رأيناه في السادس من يناير/كانون الثاني قد يكون مجرد بداية وليس نهاية المؤامرة ضد أميركا".