أيمن حلمي: "بهججة" ومونولوغات بأصوات نسائية

06 سبتمبر 2024
كان أيمن حلمي أحد مؤسسي "الفن ميدان" (من الفنان)
+ الخط -

أعادت فرقة بهججة مع تأسيسها في 2015 إحياء فن أمسى ذكرى بعيدة، وهو فن المونولوغ. وما تمتاز به "بهججة" أيضاً أنها لم تركن إلى تراث ثري يمكن أن يمدّها بما يُغنيها عن مونولوغاتها الخاصة التي تقدمها في ظل صعوبات إنتاجية كبيرة. للتعرف إلى التجربة، كان لـ"العربي الجديد" هذا اللقاء مع الملحن أيمن حلمي، مؤسس الفرقة.

ما الذي كان يدور في ذهنك حين أسست "بهججة"؟

في تلك الآونة، مررت بفترة صعبة، توقفت فيها عن تقديم أي ألحان جديدة، قبلها قدمت أعمالاً كثيرة ارتبطت بالظرف السياسي وبما كان يجري من أحداث، واستمر ذلك حتى عام 2013. عندها، شعرت أنه لم يعد لدي جديد أقدمه في هذا الجانب، لأتوقف تماماً عن العمل. فكّرت، وقرّرت أن اتجه إلى الكوميديا، إلى فن المونولوغ تحديداً، وكانت تلك وسيلتي للخروج من هذه الحالة.

قبل "بهججة" قدمت أعمالًا مثل "واطي يا واطي" و"يا عزيز عيني" و"باصص على الناحية التانية". هل تعتبر مشروع "بهججة" امتداداً لهذا المسار أم تعديلاً له؟

ما قدمته في تلك المرحلة كان معنياً بحدث تاريخي مهم هو ثورة يناير، تأثرت به وتفاعلت معه، وكان هو المسيطر على كل ما نعيشه. وإلى جانب أعمالي الفنية المرتبطة بالحدث حينذاك، فقد كنت أيضاً من مؤسسي "الفن ميدان"؛ الفعالية الثقافية الثورية الأهم. وأنا بصفة عامة من المؤمنين بأن الفن والسياسة مرتبطان بقوة، لكن عندما تقدّم عملاً فنياً فإن ذلك لا يعني أن يكون المحتوى خطابياً. يجب تغليب القيمة الفنية، وهذا ما أميل إليه، سواء في أعمالي السابقة أو الحالية.

ما هي الرؤية الحاكمة لما تقدمونه من مونولوغات؟

أرى أن العمل الفني يمكن أن يحمل أكثر من طبقة، إذ يحتوي على الجانب الترفيهي الممتع الذي يهب السعادة والبهجة، سواء للجمهور أو حتى لنا. هذا لا يتعارض مع إمكانية أن يحمل معنى، وينتقد أوضاعاً ما أو يحرّض على التساؤل، حتى لا ينحصر العمل في زاوية التسلية الخالية من أي قيمة. تكمن الصعوبة في إقامة توازن بين الجانبين، فلا يجور أحدهما على الآخر.

أشهر من قدم فن المونولوغ رجال من أمثال شكوكو وإسماعيل ياسين والجيزاوي. لماذا فضلت تكوين الفرقة من العنصر النسائي فقط؟

رغبت في أن أقدم شيئاً غير تقليدي، خارج الصندوق. أن أتحدى الفكرة الشائعة حول عدم قدرة النساء على أداء هذا اللون الفني، خاصة أنه بالفعل مثلما ذكرت؛ فإن أغلب من قدّم المونولوغ كان من الرجال، في حين اسم مثل ثريا حلمي جاء استثناء، رغم أنها قدمته بحرفية عالية، كما حملت مونولوغاتها مضموناً اجتماعياً ذا قيمة، وهذا دفعني إلى تحدّي هذه النمطية ومساعدة البنات الراغبات في تقديم هذا اللون، إلى جانب أنني ملحن أحب الأصوات النسائية.

عام 2019، قدمت الفرقة مسرحية غنائية "اللي عليهم العين". ما الذي تمثله في مشوار "بهججة"؟

لم نكن نحن من أنتجنا العرض، كنا مشاركين فيه فقط. وللأسف لم تلق المسرحية نجاحاً، فاقتصر عرضها على مرتين فقط. لم يتوفر لها محتوى فنيا يليق بـ"بهججة"، كما أنني على المستوى الشخصي لم أستطع أن أقدم فنياً ما أرغب فيه. وهذا يعود إلى أن المنتجين لديهم رؤية خاصة، بزعم أنهم خبروا السوق، ويعلمون معادلة النجاح التي تكفل لهم استعادة ما تكلفوه. وأمام هذا المنطق ليس أمامك إلا أن ترضى بالمساحة المتاحة وإما لا شيء. وللأسف خضت تلك التجربة تحت هذا الشرط، ولا أظن أنني يمكن أن أكرّرها.

هل هذا كان بتحريض من حرصك على تقديم منتجك الفني عبر المسرح الغنائي، فشاركت في تجربة ربما لا تتوفر فيها عوامل النجاح؟

بالتأكيد الفكرة حاضرة لدي منذ زمن، لأن هذا هو المسار الطبيعي لـ"بهججة"، فجميع أفراد الفرقة يُجِدن التمثيل، فهن إما درسن التمثيل أو مارسنه عبر أعمال درامية أو مسرحية، لذلك فهن يطرحن أنفسهن ممثلات إلى جانب الغناء، وأنا أيضاً أحب أن أقدم الموسيقى الدرامية، وهو ما يجعل "بهججة" تتمتع بجميع مقومات النجاح لتقديم عمل كهذا، لكن المسرح الغنائي بالصورة التي نطمح إليها يتطلب تمويلاً ضخماً، وللأسف هذا ليس متاحاً. مع ذلك، أسعى حالياً إلى تقديم أوبريت غنائي ما زلت أبحث له عن تمويل، في ظل منظومة إنتاجية تضع شروطاً عديدة، تجني في أحيان كثيرة على العمل الفني.

ما الفكرة وراء مشاريع من نوعية "بهججة مايك" و"قمر 14" اللذين قدمتهما الفرقة أخيراً؟

دعني أصارحك، ليس لدينا بعد الموديل الذي يدعم قدرتنا على تغطية تكلفة عروضنا، فبعد خصم نسبة الضرائب وتكلفة المسرح لا يتبقى للفرقة إلا نسبة تقدر بـ40%. "بهججة" من الفرق ذات الإنتاج الكبير نوعاً ما، هناك 12 موسيقياً ومغنياً على المسرح، إلى جانب فريق عمل يقف خلفهم. من هنا جاءت فكرة البحث عن تمويل تقدمه جهات ثقافية قد تهتم بدعم عروضنا مقابل الأثر المجتمعي لتلك العروض. في مقدمة هذه الجهات EUNIC، وهو اتحاد المعاهد الثقافية الأوروبية في مصر (المركز الثقافي الفرنسي والمعهدان البريطاني والإيطالي وغوته)، واتفق أنه يعطي منحاً للمشروعات الفنية شريطة أثرها المجتمعي، فمشروع مثل "مايك" تلخصت فكرته في مساعدة النساء الهاويات على الأداء الحي والغناء، إذ دربنا 20 فتاة لمدة شهرين، اخترنا منهن عشراً، وقدّمناهن في حفل كبير. كانت تجربة ناجحة على المستوى الفني، وهو ما لم يكن من الممكن أن يحدث لولا الدعم المقدم من EUNIC.
أما المشروع الآخر، "قمر 14"، فقد أطلقناه بالتعاون مع الدوار للفنون، ونقدم من خلاله عروضاً فنية مرتبطة بالتوعية حول زواج القاصرات. وعادة من يعمل بهذا المجال يغلب الهدف التوعوي على القيمة الفنية، لكن حرصت في المشروع الذي أطلقناه من مدينة أسيوط على التوازن بين الجانبين، لذلك فهو يمثل إضافة للفرقة.

أي فرقة مستقلة لا بد أن توجّه جزءاً من طاقتها للجانب الإداري، خاصة مع غياب الجهات الإنتاجية. كيف تعالجون هذا الجانب؟

لي خبرة كبيرة في الإدارة، فأنا مدير فنون ومدير ثقافي، عملت سبع سنوات في إدارة مؤسسة المورد الثقافي، وأسست بعدها شركة للإدارة الفنية للفرق الموسيقية والمسرحية. هذه الخبرات استثمرتها في "بهججة" وهذا ساعدها على الاستمرار حتى اليوم.

ما هي أهم المشكلات التي واجهتكم في تلك الناحية؟

النظام الضريبي الذي يتعامل مع الفرق على أساس أن حفلاتها تستقطب جمهوراً بعشرات الآلاف، وهو ما لا يتوفر على أرض الواقع إلا لاستثناءات قليلة، ليتساوى الجميع في نسبة الضرائب. كما لا يوجد أي دعم تقدّمه وزارة الثقافة، فلم تكن يوماً معنية بتخفيف هذا العبء عن الفرق المستقلة، من خلال توفير أماكن للتدريبات على سبيل المثال، وطبعاً أصبح الحديث اليوم عن مثل هذا الدعم أمراً كوميدياً في ظل اختفاء أشكال دعم أكثر أهمية.
إلى جانب ذلك، فحن مطالبون بالتعامل مع نظام الفاتورة الإلكترونية الجديد، وأيضاً مع كل حفلة لا بد من دفع رسوم للحصول على تصريح من النقابة. كل هذا يجعل استمرار المشروع الفني نوعاً من الكفاح الحقيقي، لذلك ستجد أن هناك من تعثر ولم يستمر.

هذا الشهر تحتفلون بعيد ميلاد فرقة بهججة التاسع. كيف تنظر إلى ما حققتموه؟ وما الذي تطمحون إليه خلال الفترة المقبلة؟

مثلما ذكرت لك، كوننا مستمرّين تحت هذه الظروف، التي كانت سبباً وراء تراجع كثير من الفرق وتعثرها، فهذا إنجاز حقيقي. كما أننا خلال السنوات الماضية استطعنا إقامة أكثر من حفل في الخارج، فشاركنا في إكسبو دبي 2020، وأقمنا أيضاً عرضا في طرابلس اللبنانية، وهذا أكد أن منتجنا الفني أمسى له صدى على المستوى العربي.
إلى جانب ذلك، أنتجنا خلال الفترة الماضية فيديو كليب حقق انتشاراً واسعاً، وألحقنا به عددا من فيديوهات الأنيميشن. ورغم الإمكانيات المحدودة التي قد لا تتيح لنا أبعد من ذلك، كان لنا تأثير واسع، فانتشرت فكرة الفرق النسائية، حتى اسم الفرقة "بهججة" أصبح اكثر استخداماً للتعبير عن حالة السعادة، من خلال وسائط مختلفة: كتاب، كافيه، محل...، وقدمنا أيضاً نموذجاً جذاباً لكثير من الفتيات، فحين نعلن مثلاً عن حاجتنا إلى عضو جديد في الفرقة، يتقدم المئات، بفعل الموديل الذي تميزنا به، وهو الفتاة القادرة على الغناء والتمثيل.

المساهمون