أيجوز لناقدٍ كتابةً عن فيلمٍ يُشارك فيه؟

21 يونيو 2023
محمد سويد و"يوم بلا غدٍ": عن بيروت وأشياء أخرى (الملف الصحافي)
+ الخط -

يحار الناقد إزاء فيلمٍ يظهر فيه شخصيةً أساسية، بين شخصيات عدّة، يختارها مخرجه لقولٍ أو كشفٍ أو بوحٍ. يتساءل الناقد: "أيحقّ لي أنْ أكتب نقداً عن فيلمٍ أظهر فيه، فأكون مشاركاً، ولو قليلاً، في صُنعه؟". إنْ يكن الفيلم روائياً، فللناقد دورٌ عابرٌ غالباً، وحضوره فيه غير مانعٍ كتابة نقدية عنه. لكنّ الوثائقي مختلف، ومشاركة الناقد فيه أساسية، أو شبه أساسية أحياناً.

يحصل هذا بين فترة وأخرى. يختار منتجٌ أو مخرجٌ ناقداً لحضورٍ في وثائقيّ، يقول شيئاً عن بيروت وأحوالها، وعن انفعاله تجاهها وعلاقته بها. أو عن سينمائيّ يُكنّ الناقدُ له حبّاً، ويرى في معظم أفلامه، الوثائقية تحديداً، مرايا صادقة وصادمة وشفّافة عن مدنٍ وعمارة وانهيارات وأناسٍ وأحوال. التجربة، بحدّ ذاتها، مُثيرةٌ لمتعٍ، تبدأ بالجلوس أمام كاميرا، وتستمر إلى نهاية التصوير. أما المشاهدة، فمسألة أخرى، إنْ تكن نتيجتها سلبية أم إيجابية، لأنّ الناقد مرتبكٌ، أو متردّدٌ، إزاء الكتابة النقدية عنه. بل إنّه غير متأكّد من صوابية الكتابة، وإنْ يرغب الناقد فيها (الكتابة).

3 تجارب في 3 أفلام وثائقية أخوضها في مراحل مختلفة: "مدن من قلق" (2016) لمحمد هاشم، و"يوم بلا غد" (2022) لمحمد سويد، و"بيروت برهان" (2022) لفرح الهاشم. لا أبغي نقاشاً في عملية إنجاز الفيلم، فموافقتي على المشاركة تعني تسليم نفسي وقول رأيي والتعبير عن شعوري بخصوص الموضوع، ولا علاقة لي بتوليفٍ أو اقتطاعٍ، فهذه مسائل خاصة بالمخرج وحده. السؤال يتعلّق بمدى صوابية الكتابة النقدية عن هذه الأفلام، التي أحضر فيها: أيحقّ لي مناقشة صُنع الفيلم، وقراءة كيفية اشتغاله، ومناقشة ما يُقدّمه من صُور وحكايات وحالات؟

أسأل، ولا أملك إجابة. المشاركة في هذه الأفلام، عن بيروت وبرهان علوية وأشياء أخرى، منبثقةٌ من صداقةٍ تربطني بالمخرجين هاشم وسويد وعلوية، ومن قناعةٍ لي بأنّ في المشاريع (قبل تنفيذها) ما يُثير فيّ حماسة قولٍ وتعبير وبوح.

لعلّ البعض يقول إنّ هذا كلّه غير مهمّ، والمسألة المطروحة غير نافعةٍ بشيء. لكنّي غير طارحٍ المسألة لنقاشٍ وتفكير، بل مجرّد بوح ذاتي إزاء 3 مواضيع/أفلام، مهمومٌ بها منذ زمنٍ. أشاهد "يوم بلا غد"، الذي يُنجزه سويد بعد أعوامٍ طويلة من الاشتغال عليه، فأستعيد لحظةً بيروتية لي قبل 15 عاماً (أو ربما أكثر بقليل)، وأستعيد ذاتي حينها، وأتذكّر أشياء وحالات وأحاسيس مخفية فيّ منذ وقت. أتفرّج على "مدنٍ من قلق" و"بيروت برهان" بُعيد إنجازهما، فأرى فيهما شيئاً منّي، ومن مدينة غير قادرٍ على حسم علاقتي بها. أرى شيئاً من ذاتي وروحي ووعيي مع مخرجٍ، أحبّ اشتغالاتٍ كثيرة له، وأتذكّر دائماً حوارات ولقاءات ممتعة معه، لما فيها من تحريضٍ على مزيدٍ من التفكير والنقاش والقراءة والمشاهدة. حوارات ولقاءات غير مسجّلة كلّها، للأسف، لكنّها فاعلةٌ فيّ إلى الآن.

السابق محاولة لقول شيءٍ ذاتيّ، في علاقتي بالسينما والنقد والمهنة والمدينة. لا أكثر.

المساهمون