أيجوز لممثل رفض كلامٍ تقوله شخصية؟

05 ابريل 2024
دي كابريو وجيمي فوكس: مفردة عنصرية في "دجانغو غير المقيّد" فقط (الملف الصحافي)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في إحدى السهرات، تم طرح سؤال حول ملاءمة أداء الممثلين العرب لشخصيات تستخدم الكلمات النابية، مما يعكس قلقهم بشأن تأثير هذه الأدوار على صورتهم أمام الجمهور.
- يُناقش الفرق بين الممثل والشخصية التي يؤديها، مستشهدًا بمثال ليوناردو دي كابريو في "دجانغو غير المقيّد" للتأكيد على قدرة الجمهور على التفريق بين الاثنين.
- يُشدد على أهمية توافق الكلمات النابية مع سياق القصة وشخصية الأدوار، مؤكدًا على ضرورة أن يكون استخدامها مبررًا ضمن النص، ويُناقش التحديات التي تواجه الممثلين العرب في تقديم أعمال فنية واقعية.

 

في سهرةٍ، يُطرح (مواربةً) سؤالٌ يتعلّق بممثلين وممثلات عرب، وهذا يندر وجوده في السينما الغربية: أيجوز لممثل ـ ممثلة عربي أنْ يؤدّي شخصيةً، سينمائية أو تلفزيونية أو مسرحية، تتلفّظ بكلماتٍ نابية وشتائم مقذعة، تتردّد على ألسنةٍ كثيرة في يوميات العيش العربي، القاسي والمنهار والمضطرب والمريض؟

السؤال مشغولٌ بهاجسٍ يتملّك ممثلين وممثلات عرب، يتمثّل (الهاجس) بنجوميةٍ تعني، بالنسبة إليهم، أنّ هناك جماهير تهتمّ بهم، وتتابع أخبارهم وأحوالهم وأعمالهم، فيظنّ هؤلاء النجوم أنّ جمهوراً كهذا لن يرضى (جميع أفراده، أو معظمهم؟) بشتيمةٍ، يتلفّظ بها محبوبٌ أو محبوبة. والنجم ـ النجمة، اللذان يرفضان كلاماً نابياً وشتائم مقذعة في أداءٍ تمثيلي، غير محافِظَين على رفضٍ كهذا في يوميات عيشٍ، والبعض يتفوّق على نفسه، أحياناً، في كلامٍ نابٍ وشتائم مقذعة يتفوّه بها في مجالس وسهرات. لكنّ هذا البعض مُتشدّد في رفضه كلاماً نابياً وشتائم مقذعة في بلاتوه تصوير، أو على خشبة مسرح، فهذا، بالنسبة إليه، يعكس "بذاءةً" فيه أمام جمهوره، الذي (البعض) يعتقد أنّه (الجمهور) منفضٌّ بكلّيته عن كلامٍ نابٍ وشتائم مقذعة، خارج البلاتو وبعيداً عن الخشبة.

مسألة كهذه تُناقَش نقدياً. إزالة كلّ حدٍّ فاصل بين الممثل ـ الممثلة والشخصية غير مطلوبةٍ، فالذي يؤدّي شخصية جنديّ رومانيّ مثلاً لن يكون "الصالِبَ" الحقيقيّ للمسيح؛ والذي يُهين إنساناً في الحياة اليومية أسوأ وأخطر وأكثر أذيّة من كلام نابٍ وشتيمة مقذعة، تقولها شخصيةٌ أمام كاميرا، أو على خشبة مسرح. ليوناردو دي كابريو، الأكثر شهرةً والأعمق فنّاً وإبداعاً واختبارات من آلاف النجوم العرب، غير رافضٍ التلفّظ بمفردة Negro، في "دجانغو غير المقيّد" (2012) لكوانتن تارانتينو، أمام الكاميرا، رغم عدم تلفّظه بها في حياته اليومية، لأنّها أخطر من شتيمةٍ، وأقسى من كل كلامٍ عنصري. مفردة كهذه يُردّدها مراراً بلسان كالفن جي. كاندي، من دون أدنى خوفٍ وقلق من انفضاض جمهورٍ عنه، فالجمهور يعرف أنّ الشخصية تردّدها لا الممثل.

هذا يكشف أمرين: أنّ اجتماعاً عربياً مُصاباً بأعطابٍ قاتلة، والأخطر أنّ بعض نجوم اجتماعٍ كهذا إمّا موافق على مجاراة أناسٍ معطوبين، وإمّا معطوبٌ هو نفسه، ويعيش انفصاماً بين عوالم مختلفة. جزءٌ من هذا صحيح. حذرُ نجومٍ واقعيٌّ، فالاجتماع في مدن عربية معطوبٌ فعلياً، وغير قادرٍ على الفصل بين ممثل ـ ممثلة وشخصية تمثيلية، وإنْ تُستَلّ الشخصية من واقعٍ. لكنْ، أليس عمل الفنان ـ الفنانة، وإنْ في جزءٍ بسيط منه، محاولة تغيير مسائل كهذه في نفوس وعقول وتفكير، في فرد وجماعة؟ أمْ أنّ نجوماً عرباً غير مكترثين ـ مكترثات بهذا التفصيل، ويُفضّلون ما يظنّونه "نقاءً" و"طهارة" أمام جمهورٍ، معظمه يقبل بذاءة ويتلفّظ بها في حياته، وإنْ بأساليب مختلفة؟

هذا كلّه مرتبطٌ بمسألة أساسية: أنْ يكون الكلام النابي والشتائم المقذعة أساسيّين في سياق حكاية، ونفوس شخصيات وأرواحها وتفكيرها وأنماط عيشها، في النصّ المُقدَّم أمام كاميرا، أو على خشبة مسرح. فأنْ يعاين عملٌ أحوالَ بيئةٍ في حربٍ أهلية مثلاً، وأفرادٌ فيها متوتّرون ومضطربون وقلقون وخائفون ومحبطون، لكنّهم (ليسوا جميعهم طبعاً) غير متلفّظين بكلامٍ نابٍ أو شتائم مقذعة، فهذا يُناقض واقعاً، إنْ لم يُشوّهه. لأنّ التنصّل من مفردات كهذه في نصٍّ واقعي مُسيء إلى حقائق، فمفردات كهذه أساسية في لغة شعبية يومية.

مجدّداً: يُفترض بمفردات نابية ومقذعة أنْ تتلاءم وسياق حكاية ونفسية شخصية وأسلوب كلامها وتواصلها مع آخرين وأخريات، لا أنْ تُفرض من خارج النصّ لأي سببٍ. أمّا "نجومية" عربٍ، تلفزيونياً على الأقلّ، فتحتاج إلى نقاشٍ آخر.

المساهمون