عقد مجلس الأمن الدولي، لأول مرة في تاريخه، وبشكل رسمي، جلسة لنقاش مسألة الذكاء الاصطناعي.
وترأس بريطانيا المجلس للشهر الحالي، وتولى وزير خارجيتها، جيمس كليفرلي، الجلسة التي عقدت على مستوى وزاري، تحت عنوان "الذكاء الاصطناعي: الفرص والمخاطر في سياق الأمن والسلم الدوليين". وحضر الجلسة كذلك الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس.
وأيد غوتيريس في مداخلته أمام المجلس إنشاء هيئة دولية على غرار "الوكالة الدولية للطاقة الذرية"، وهو اقتراح تنادي به بعض الدول، للتعامل مع هذه التكنولوجيا غير العادية واستخداماتها.
وحول أهمية هذا التطور التكنولوجي، قال غوتيريس: "لقد جرت مقارنة تقنيات الذكاء الاصطناعي باختراع المطبعة. ولكن استغرقت طباعة الكتب وإتاحتها على نطاق واسع في جميع أنحاء أوروبا قرابة الخمسين عاماً، في حين وصل عدد المستخدمين لـChatGPT إلى 100 مليون مستخدم في غضون شهرين فقط".
وحول الدور الذي يمكن أن يلعبه الذكاء الاصطناعي في الاقتصاد العالمي، قال: "يمكن أن يساهم بما يتراوح بين 10 و15 تريليون دولار أميركي في الاقتصاد العالمي بحلول عام 2030، بحسب تقديرات لمختصين في المجال". ولفت الانتباه إلى أن "أغلب الحكومات حول العالم والشركات والمنظمات الدولية تعمل على استراتيجية ما تتعلق بالذكاء الاصطناعي، لكن لا أحد يعرف بالضبط أين يمكن أن يقودنا هذه الاختراق التكنولوجي".
وشدد غوتيريس: "إن جرى استغلاله بشكل جيد، فإن لديه القدرة على دفع عجلة التنمية العالمية، بما في ذلك مراقبة أزمة المناخ، اختراقات في البحث الطبي والعلمي، والتعليم وغيرها". وأشار إلى استخدام الذكاء الاصطناعي في الكثير من "عمليات الأمن والسلم، بما فيها عمليات الأمم المتحدة. كما يستخدم، وبشكل متزايد، لتحديد أنماط العنف ومراقبة وقف إطلاق النار والمزيد، مما يساعد على تعزيز جهودنا في مجال حفظ السلام والوساطة والجهود الإنسانية".
وتوقف عند تصريحات المفوض السامي لحقوق الإنسان، التي أعرب فيها عن قلقه بشأن وجود أدلة تشير إلى أن الذكاء الاصطناعي "يمكنه أن يزيد من التحيز، وتعزيز التمييز، وإتاحة مستويات جديدة من المراقبة الاستبدادية".
وحذّر من أن "الاستخدام الخبيث لأنظمة الذكاء الاصطناعي، لأغراض إرهابية أو إجرامية أو حكومية، يمكنه التسبب بمستويات مروعة من الموت والدمار، وصدامات واسعة النطاق، وأضرار نفسية عميقة على نطاق لا يمكن تصوره". وأشار إلى استخدامه بالفعل في الهجمات الإلكترونية "لاستهداف البنية التحتية الحيوية وعمليات حفظ السلام والعمليات الإنسانية، مما يتسبب في معاناة إنسانية كبيرة".
ولفت الانتباه في هذا السياق إلى أن المعوقات التقنية، كما المالية، بما فيها للمجرمين والإرهابيين، منخفضة نسبياً، وحذّر من أنه: يمكن أن تكون للتطبيقات العسكرية وغير العسكرية للذكاء الاصطناعي عواقب وخيمة للغاية على السلام والأمن الدوليين".
وأكد غوتيريس أن "مواجهة التحديات التي يفرضها الذكاء الاصطناعي توجب معالجة مشتركة، خاصة أن هناك نماذج متطورة من الذكاء الاصطناعي المتاحة على نطاق واسع". كما أنه، وعلى عكس المواد النووية والكيميائية والبيولوجية، على سبيل المثال، فإنه "يمكن نقل أدوات الذكاء الاصطناعي في جميع أنحاء العالم دون ترك أي أثر يذكر".
وتحدّث عن نقاط انطلاق يمكن الالتفاف حولها، بما فيها "المبادئ التوجيهية التي جرى الاتفاق حولها عام 2018-2019 بشأن أنظمة الأسلحة الفتاكة ذاتية التشغيل، المتفق عليها من خلال اتفاقيات معينة للأسلحة التقليدية. وشخصياً أتّفق مع عدد كبير من الخبراء الذين أوصوا بحظر الأسلحة الفتاكة ذاتية التشغيل دون سيطرة بشرية. بالإضافة إلى التوصيات الخاصة التي اعتمدتها اليونيسكو عام 2021 حول أخلاقيات استخدام الذكاء الاصطناعي".
ولمواجهة التحديدات، شدّد على ضرورة "ضمّ القطاع الخاص والحكومات والمجتمع المدني وكل من له شأن في مجال الذكاء الاصطناعي على طاولة واحدة". ولفت الانتباه إلى أنه "يمكن للأمم المتحدة أن تلعب دوراً مهماً في هذا السياق".
ورحّب المسؤول الأممي بـ"دعوات بعض الدول لإنشاء هيئة أممية لدعم الجهود للتحكم بهذه التقنيات مسترشدةً بنماذج كالوكالة الدولية للطاقة الذرية والمنظمة الدولية للطيران المدني وغيرها". وقال إن "الهدف الرئيسي هو دعم البلدان المختلفة للاستفادة بأكبر قدر ممكن من منافعه، وخفض مخاطره المحتملة وتأسيس آليات للحوكمة".
وأكد الأمين العام للأمم المتحدة أنه "كخطوة أولى" سيشكل "هيئة استشارية رفيعة المستوى للذكاء الاصطناعي، والتي سترفع تقارير بشأن كل الخيارات المطروحة فيما يتعلق بحوكمة وإدارة الذكاء الاصطناعي وتقدم توصيات".
وحثّ غوتيريس الدول على "وضع خطط وطنية في هذا السياق، والانضمام إلى عملية متعددة الأطراف للنظر في القواعد والمعايير والمبادئ المتعلقة بالتطبيقات العسكرية في مجال الذكاء الاصطناعي". كما دعا الدول الأعضاء للاتفاق على "إطار عالمي لتنظيم وتعزيز آليات الرقابة المتعلقة باستخدام التقنيات التي تستند إلى البيانات".
وأشار غوتيريس إلى إحاطته التي سيطلقها هذا الأسبوع حول أجندة السلام الجديدة، والتي سيدعو فيها إلى "عقد مفاوضات تختم في 2026 حول الصك الملزم قانونياً لحظر استخدام نظم الأسلحة ذاتية التشغيل الفتاكة، والتي يمكن أن تستخدم بدون تحكم بشري". وعبّر عن أمله في أن "تتفق الدول على قرار يخدم مبدأ المصلحة العامة".