أوبرا أوديسا... غناء ومسرح على دويّ صفارات الإنذار

10 يناير 2023
تفرض ظروف الحرب قيوداً صارمة على الحياة الثقافية والمسرحية (العربي الجديد)
+ الخط -

يُعَدّ مسرح أوديسا الأكاديمي الوطني للأوبرا والباليه واحداً من أكبر المسارح في أوكرانيا، إذ يعود تاريخ تشييد مبناه الحالي إلى نهاية القرن الـ19، ويواصل عروضه حتى اليوم، رغم الضربات الروسية المستمرة على المدينة الأوكرانية المطلة على البحر الأسود منذ بدء الحرب.  

وفي الموسم الحالي، أقام مسرح أوديسا العرض الأول لأوبرا "كاتيرينا"، من تأليف ألكسندر رودين. عرض ترقبته الأوساط الثقافية للمدينة بفارغ الصبر. "كاتيرينا"، المستوحاة من رواية شعرية تحمل الاسم نفسه، من تأليف أحد أشهر الأدباء الأوكرانيين، تاراس شيفتشينكو، وهي أضخم عرض مسرحي منذ نيل أوكرانيا استقلالها، جراء تفكك الاتحاد السوفييتي عام 1991، وتتميز بألحان وكلمات فريدة. 

ومع ذلك، تفرض ظروف الحرب قيوداً صارمة على الحياة الثقافية والمسرحية، بما فيها وقف العروض في حال سماع دوي صفارات الإنذار وإجلاء المشاهدين إلى المخبأ نفسه الذي استخدم إبان الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945)، وهو يتسع بعد عملية إعادة البناء الأخيرة لـ1500 مشاهد، ما يعادل عدد المقاعد نفسه في قاعة المسرح.  

التقت "العربي الجديد" عدداً من أعضاء فرقة مسرح أوديسا، وتحدثوا عن تجربة عملهم في ظروف الحرب وملامح الحياة الفنية والثقافية للمدينة، على وقع الضربات الروسية التي تتعرض لها المدينة منذ أكثر من عشرة أشهر.  

توضح مؤدية دورة البطلة الرئيسية "كاتيرينا"، مارينا نايميتينكو، أن دويّ صفارات الإنذار يسمع في أحيان كثيرة في أوقات العروض، ما يزيد من قلق المؤدين والمشاهدين، من دون أن يثنيهم عن الحضور إلى المسرح، سواء للعمل أو لمشاهدة العروض التي يرون فيها بارقة أمل في أثناء الظروف العصيبة. وتقول نايميتينكو الفائزة بمجموعة من مسابقات الغناء الدولية، لـ"العربي الجديد": "فرضت علينا الحرب أن نتغلب على قلقنا في أسرع وقت، وأن نركز ونعمل من أجل جمهورنا، حتى في هذا الوضع. هذا مصدر سعادتنا، أن نسلط شعاعاً من الضوء على حياتنا نحن والآخرين". 

من جهتها، تتحدث المشرفة الفنية في مسرح أوديسا، ناديجدا بابيتش، عن الطريق المتعرج الذي قطعه المسرح من أجل إقامة عرض "كاتيرينا"، قائلة لـ"العربي الجديد": "قطعنا طريقاً صعباً لإقامة مثل هذا العرض الذي أصبح رمزاً للكرامة الوطنية والاستقرار والإيمان بالنصر وإمكانية تقريب موعده بواسطة القوة الناعمة الجبارة للفن. جاء العرض تجسيداً لقوة الضوء والخير والحقيقة، وأمتنّ لكل من ساهم في إتمام الحدث بهذه الأهمية". وحول أوضاع قطاع الثقافة في أوديسا في زمن الحرب، تضيف: "كان قطاعا الثقافة والأعمال من أول القطاعات التي تأثرت بالضربة الاقتصادية جراء الحرب. توقفت دور العرض السينمائي والمسرحي عن العمل خلال الأشهر الأولى من الغزو الروسي. ثم بدأ قطاع الأعمال باستئناف عمله، وأعيد افتتاح دور العرض السينمائي والمسارح". 

إلى جانب المخاوف الأمنية، فرضت الحرب الروسية صعوبات لوجستية كثيرة على طريق إقامة العروض، وهو ما تضرب عليه مخرجة "كاتيرينا"، أوكسانا تارانينكو، مثلاً، قائلة لـ"العربي الجديد": "اشترينا كيلومترات من القماش لإنتاج الأزياء بمعامل في خاركيف. لكن بعد بدء الحرب، لم تعد هناك إمكانية لإعادة القماش إلى أوديسا، ولكنه تسنى في نهاية المطاف إرسالها بواسطة البريد وحافلات، وجرت خياطة جميع الأزياء هنا، وإلا ما كان للعرض الأول أن يرى النور".  

بدوره، يقول كبير قادة الأوركسترا في مسرح أوديسا، فياتشيسلاف تشيرنوخو-فوليتش، لـ"العربي الجديد": "نظراً لبدء الحرب، اضطر المسرح إلى العمل في ظروف بالغة الصعوبة، وسط سماع دوي لصفارات الإنذار كان يمنعنا من إجراء البروفات التي كان يتعطل بعضها كاملة في حال استمرار الإنذار لساعة أو ساعة ونصف ساعة، أو حتى لأكثر من ذلك، في بعض الأحيان. لكن الآن أثق في أنه يمكن إطلاق لقب "المسرح البطل" على مسرحنا". ويلفت تشيرنوخو-فوليتش إلى أن ظروف الحرب التي تجري فيها عروض الموسم الحالي، تفرض وقف العروض في أثناء الإنذار الجوي، ما يزيد من متاعب المؤدين. 

يعود تشييد المبنى الحالي للمسرح ذي طراز الباروك الفييني الجديد إلى عام 1887، وهو من تصميم المعماريين النمساويين، فيرديناند فيلنير وهرمان هيلمر. أما قاعة العروض، فهي ذات طراز الروكوكو (الصدفة) الفرنسي. ومن أشهر الملحنين الروس الذين قادوا الأوركسترا في مسرح أوديسا، بيوتر تشايكوفسكي وسيرغي رخمانينوف ونيقولاي ريمسكي-كورساكوف، كذلك غنى فيه فنان الأوبرا الروسي فيودور شاليابين، وأدت الراقصتان العالميتان آنا بافلوفا وإيزادورا دانكن رقصاتهما على خشبته. وعام 2008، أدرجت مجلة فوربس العالمية مسرح أوديسا على قائمة أعجب معالم أوروبا الشرقية.

المساهمون