أنمي "الحقبة الزرقاء": أنا أيضاً يمكنني أن أرسم

13 يناير 2022
هل فعلاً يستطيع أي شخص الرسم إذا حصل على بعض الدروس؟ (نتفليكس)
+ الخط -

"ما المبهر بلوحات بيكاسو؟ بإمكاني رسم لوحات مثلها".. يتساءل بطل أنمي "الحقبة الزرقاء" (Blue Period)، ياتورا، في بداية الحلقة الأولى من المسلسل، بعد رؤيته ملصقاً إعلانياً لمعرض بيكاسو. ربما سؤال يخطر للكثير، والأنمي سيقدم لنا رحلة للإجابة عن هذا السؤال.
أنمي "الحقبة الزرقاء" واحد من إنتجات "نتفليكس" القصيرة الأخيرة، والذي تم عرضه بشكل أسبوعي على عكس المعتاد من المنصة. استمر عرض 12 حلقة من تاريخ 2 أكتوبر/تشرين الأول 2021 حتى 18 ديسمبر/كانون الأول 2021 على منصة "نتفليكس"، بينما بدأ العرض التلفزيوني له في 25 سبتمبر/أيلول. وبدأ مع توقعات عالية جداً، بسبب المانغا الخاصة به؛ فهل كان على قدر التوقعات؟
بطل أنمي "الحقبة الزرقاء" هو ياتورا، طالب الثانوية المجتهد والجانح في الوقت نفسه. يعاني من فراغ عميق، إلى أن يصادف في أحد الأيام لوحة في قاعة الفنون في مدرسته. شيئاً فشيئاً، يبدأ بالانجذاب، ويرسم لأول مرة بجدية لدرس الفنون في مدرسته. اختار أن يرسم مشهداً من المدينة في الصباح الباكر، إذ تبدو زرقاء، بعد نصيحة إحدى الفتيات له: "إن كنت تراه أزرقَ فهو أزرق". بعد هذه التجربة، يقرّر ياتورا الانضمام إلى نادي الفنون في مدرسته وبدء التعلم.
من دون قدرات سحرية أو عجائب، يبدأ ياتورا رحلة تعلم الرسم، وهذه الرحلة لا تقتصر فقط على تعلم الرسم بحد ذاته، بل تطاول الحياة الاجتماعية الخاصة به، وما تضيفه إلى الجانب التعليمي. على ياتورا أن يمر بتجارب جديدة، والعديد من الأسئلة، وأكثر من ذلك، اكتشاف عالم الفنون الذي يبدو من بعيد عالماً من "غريبي الأطوار".
من مميزات العمل الواضحة، تنوع الشخصيات أيضاً وواقعيتها، رغم أنها تبدو من وجهة نظر البطل المبدئية كشخصيات غريبة، لكنها شخصيات موجودة بالفعل، وتصميم الشخصيات دعم واقعيتها بالأحجام المختلفة التي لم تنمطها، فالشخصيات ذات الوزن الزائد، أو القصيرة، أو غيرها، لم يعن شكلها أي شيء، إنما هي فقط شخصيات كغيرها فحسب، من دون أن يعني شكلها أي شيء، كما أن شخصيات الفتيات لم ترسم بطريقة مبالغ بها أيضاً، وكانت عادية كغيرها. الشخصية الوحيدة التي تم الاهتمام بجمالها، كانت شخصية العابر جنسياً، إذ كان له تأثيره في تعليم البطل القبول، وأيضاً الالتفات إلى الجسد، الأمر الذي سيفيده لاحقاً في رسم الموديل.


لا شك أن أنمي "الحقبة الزرقاء" يظهر الجانب التحرري لمحبي الفنون أكثر من غيرهم، فمن البداية، عندما يمزح أحد الطلبة بشأن أنه يريد رسم جسد حبيبته، تتقبل المعلمة ذلك بصدر رحب، وتطلب منه التركيز على التفاصيل، إلا أن هذا لا يفرض تغييراً جديداً بالضرورة على البطل، ولا يقحم مفاهيم جديدة لحياته بشكل فج، إنما كان هذا جزءاً من عالم الشخصيات الأخرى المختلفة، والتي تتضمن أيضاً شخصية تهتم برسم "الدعاء والتضرع للآلهة"، لكنه بالتأكيد يفتح له آفاقاً جديدة.
مثل أي عمل كهذا، يصعد سؤال الموهبة إلى السطح؛ فبعد رؤيته لأشخاص أفضل منه بكثير، يدرك البطل أنه ليس موهوباً، لكن العمل ما سيجعله جيداً ربما. مع ذلك، لا يبدو هذا صحيحاً تماماً، ولا يعرض لنا العمل ماهية الموهبة بالفعل، فقد يكون ياتورا موهوباً، أو أنه بالفعل مجتهد فقط. لا يمكننا أن نعرف أبداً إن كان إدراك ما يمكن فعله موهبة. هل فعلاً يستطيع أي شخص الرسم لو حصل على بعض الدروس؟ لا يمكن أن نعرف ذلك، خصوصاً أن وتيرة الأنمي كانت سريعة جداً، 12 حلقة ليست كافية لإظهار كم الجهد، وبسبب هذا قد نميل إلى أن البطل موهوب بالفعل، لكنه لا يدرك ذلك بسبب وجود أشخاص أفضل منه.
ليس هذا فقط ما قد يجعل أنمي "الحقبة الزرقاء" يقدم فكرة واقعية عن تعلم الفنون؛ فالعمل يقدم دروساً حقيقية عن الأدوات والألوان، وحاجة الشخص الراغب بدخول الفنون إلى دروس تأهيلية مكثفة قد لا تضمن له النجاح لكن لا يمكنه تجنبها، بالإضافة إلى حاجته لمعرفة النوع الذي تفضله الجامعة التي يرغب بدخولها، وكيف أن التفضيلات تختلف من جامعة إلى أخرى، بالإضافة إلى القلق الذي ينتاب الراغبين بدخول جامعات كهذه، حيث معدل القبول متدنٍ ولا يتجاوز 50 طالباً، مما يؤدي إلى انهيارات جسدية للكثير من المتقدمين.
يمكن القول إن "الحقبة الزرقاء" قدّم نقلة جديدة لعالم الأنمي، ومن بعده سيكون من الصعب على أي عمل أنمي جدي أن يقدم الفن على أنه موهبة وأمر سهل والمشكلة الوحيدة فيه هي المجتمع، فالتفاصيل المقدمة في الحقبة الزرقاء، تنقل الواقع بالفعل، وينصح به لأي شخص راغب بدراسة الفنون. وهذا لم يتطلب كثيراً من البحث بالنسبة لمؤلفة المانغا، فهي خريجة جامعة طوكيو للفنون التي يريد البطل دخولها.
ما يعيب الأنمي هو وتيرته السريعة جداً، التي جعلت بعض الصراعات تبدو غير منطقية، أو أسهل من المتوقع. يبدو أن المنتجين أصروا على إنتاج 12 حلقة فقط، وجعله مسلسلاً قصيراً، رغم أن المانغا الخاصة به لا يمكن أن تغطى بهذه السرعة، وتحوي صرعات أكبر، خصوصاً النقاش مع الأم الذي انتهى بسهولة في الأنمي، بينما أخذ وقتاً أكبر بكثير في المانغا التي غطت التفاصيل كما يجب.

من الجدير بالذكر أن المانغا حصلت على "مانغا تايشو" لعام 2020، وهي جائزة مانغا سنوية متخصصة بالأعمال المرسومة في ثمانية مجلدات على الأكثر فقط. شعبية المانغا رفعت من التوقعات للأنمي، إلا أن البعض خاب أملهم بسبب سرعة الأنمي التي تغفل الكثير من التفاصيل. مع ذلك، لا يمكن تجاهل أن "الحقبة الزرقاء" عن الرسم، لذا فإن الألوان في العمل ستكون مثيرة للاهتمام، وبهذا يقدم شيئاً جديداً لمحبي القصة.

المساهمون