(*) ماذا عن طابع "وثائقي التحريك" الذي يتتبّع سيرة المؤلّفَين، عبر إقامة حوار بين نيكولا الصغير والطفولة التي عاشها غوسيني وسامْبي، ما يترك وقعاً مؤثّراً للغاية؟
نعم، تماماً. أعتقد أنّهما ألّفا قصصاً عاشاها، لكنْ ليس بالضرورة. نفهم أنّهما لم يعيشا طفولة وردية، بل مرّا بظروف صعبة إلى حدّ ما، فقالا لنفسيهما: لنحتفظ فقط بالذكريات الطيبة من طفولتنا، فخلقا هذه الشخصية الصغيرة التي ترتكب كلّ الحماقات التي تستطيعها. تمرح وتنشر السعادة حولها. يبكي الصغير نيكولا أحياناً، ويغضب أحياناً أخرى، لكنْ هناك في قصصه دائماً لمحة من براءة الطفولة، وروابط متينة جدّاً بين الشخصيات. وهذا لا يمنع أنّهما استخدما تجاربهما الخاصة أيضاً. مثلاً، عندما يستغرق سامْبي في الرسم، يسأله غوسيني: "يجب أنْ نمنح الصغير درساً في الرسم. كيف نخلق له مدرسة؟"، فيجيب سامْبي: "حسناً، سأستلهمها من المدرسة التي ارتدتها في بوردو".
الفيلم مزيج من الذكريات والواقع والأشياء التي خلقاها. هذا مؤثّر، لأنّنا نرى من أين نبعت شخصية نيكولا الصغير، ولماذا وكيف، والرابط بين الـ"حقيقي" وما تمّ ابتكاره.
(*) كيف جاء قرار الاحتفاظ بالجانب المرير من القصة؟ أتصوّر أنّ المزاوجة بين قصص الصغير نيكولا والجانب المأساوي، إلى حدّ ما، من قصص المؤلّفَين لم يكن سهلاً، خاصة النوبة القلبية المفاجئة التي أودت بحياة غوسيني.
الأمر صعبٌ، لأنّنا أردنا صنع فيلم إيجابي ومبهج، ونتناول في الآن نفسه مواضيع صعبة، بما في ذلك وفاة إحدى الشخصيات. صحيح أنّه ليس سهلاً تحقيق ذلك، لأنّنا لم نرغب في إضفاء لمسة حزن على الفيلم. في كلّ مرة يكون هناك شيءٌ حزين في الأحداث، نضع بعده مباشرة حدثاً سعيداً. نظلّ في مجال العاطفة، لكنّنا لا نمكث في الجانب السلبي، بل ننطلق بزخمٍ جديد في كلّ مرّة.
(*) في المونتاج، هناك أفكار إبداعية للغاية في الانتقالات من مشهد إلى آخر. أحياناً، يكون لدينا انطباع بأنّها صفحة ألبوم تنقلب، أو أنّ الصغير نيكولا يخرج من فقاعة. هل تتأتّى هذه الأفكار منذ الكتابة، أو لاحقاً؟
قليلٌ من الاثنين، في الواقع. كان علينا أنْ نجد الروابط بين كل مشهدين على حدة. أول رابط يتبادر إلى ذهني أنْ نرى ورقة سامْبي أثناء رسمه عليها، ثم نغوص فيها. بعدها، كان علينا ألّا نفعل ذلك في كلّ مرة. تعيّن علينا ابتكار طرق أخرى، انطلاقاً من الرسومات، أو من اقتراح المدير الفني أفكاراً. عندما أعددنا الـ"ستوري بورد"، وجدنا أفكاراً، واجتمعنا مع المدير الفني لاستقاء أخرى منه. كنّا نتحرّك ذهاباً وإياباً بين المكتوب والمرسوم، ونقول لأنفسنا: "آه نعم، بالتأكيد، البقع الصغيرة التي تظهر هناك، لمَ لا نستخدمها في هذا التسلسل؟"، فتتراكم الأشياء تدريجياً. أحياناً، ينشأ الانتقال من الديكور، من خلال حركة الكاميرا البانورامية. يمرّ الديكور أمامنا، فننتقل من مشهد إلى آخر، بحيث يكون ذلك سلساً وطبيعياً.
(*) اشتغلتم مع ممثِّلَين رائعين، آلان شابا ولوران لافيت. هل كان اختيارهما لأداء صوتي الشخصيتين الرئيسيتين واضحاً منذ البداية؟
ليس واضحاً، لكنّه طبيعي. تعرف آن غوسيني آلان شابا جيّداً، لأنه أخرج فيلماً مقتبساً عن أستريكس ("أستريكس وأوبيليكس: مهمة كليوباترا"، 2002، اقتباساً عن قصّة مُصوّرة من تأليف والدها وألبير أوديرزو ـ المحرّر). بالنسبة إليها، كان مهمّاً أنْ يؤدّي شابا صوت والدها، لذا فكّرت به فوراً. هو أيضاً مُعجبٌ جدّاً بغوسيني. بالنسبة إلى لافيت، شاهده بنجامان ماسّوبر في دورٍ مسرحي، فارتأى أنّه يستطيع أداء سامْبي بشكل جيّد. طبعاً، كان ينبغي أنْ يوافق، ويكون مُتاحاً في موعد التسجيل. وافق. علمنا بعد ذلك أنّه من محبّي سامْبي، وأنّه يحفظ مؤلّفاته عن ظهر قلب. قلنا لأنفسنا إنّ الأمر حدث بشكل طبيعي، لأنّهما كانا مُتحمّسين أيضاً لفكرة تجسيد مؤلّفَيْهما المُفضّلين.
(*) هل كنتِ حاضرةً في كلّ جلسات التسجيل؟
نعم. بالنسبة إليهما، سجّلنا كلّ الأصوات في 3 أيام، وسجلناهما معاً، وهذا جيّد، لأنّهما كانا قادرين على أداء النصّ بحرية أكبر، والاستمتاع بردّة فعل كلّ منهما على الآخر، ما جلب شيئاً مُفعماً بالحيوية.
(*) كيف تأثّر إنتاج الفيلم بأزمة كورونا؟
صراحة، رغم أنّنا اشتغلنا في فترة الحجر الصحي، تمكّنا من العمل حضورياً حتى في "أنغوليم"، حيث كان فريق التحريك الرئيسي. عملنا معاً، مع وضع أقنعة، واحترام إجراءات الوقاية. حرصنا على ألّا ننجز مهام كثيرة عن بُعْد، لأنّه مُهمّ جَمْع الناس معاً. كنا خائفين من تأثير الأزمة، لكنّ الأمور سارت على ما يرام.
(*) هل كان العرض الأول في مهرجان "كانّ"؟
نعم، وكنّا انتهينا للتو منه. الأمر الرائع أنّنا صعدنا السلالم مع المنتجين، وأيضاً مع المشرفين على المهام الرئيسية: مساعد المخرج، ومديرنا الفني، والمُشرفة على التحريك. هؤلاء تكلّفوا بمواقع مهمة قدّمت الكثير للفيلم. كان رائعاً صعود السلالم معهم.
عرض "كانّ" مشدودٌ، لكنّ الرهان كان عالياً في "آنسي" خاصة. أنْ تعرض فيلمك هناك، في صالة مليئة بأشخاصٍ يعرفون سينما التحريك جيداً، والمحترفون والزملاء الذين يشاهدونه لأوّل مرة. كان هناك ضغطٌ كبير. كنا سعداء للغاية بعرضه في هذه الظروف. كان الأمر ساحراً.
(*) خاصة أنّه فاز بالـ"كريستال"، أي الجائزة الكبرى للمهرجان.
هذه لحظة استثنائية.
(*) كيف استقبله الجمهور، خاصة أنّ الأطفال والكبار شاهدوه، وهذا تحدّ؟
هذا ما أردناه. مع بنجامان، رغبتُ حقّاً في مخاطبة الأطفال والكبار على حدّ سواء، وجعلت القصّةُ ذلك ممكناً. لذا، أضفنا قصص الصغير نيكولا. في البداية، كان يظهر بحجم طفل عادي في الغرفة مع المؤلّفَين، ثمّ قررنا أنّه مهمٌ أنْ يظلّ شخصيةً صغيرة مُتخيّلة، كأنّه يخرج من رأسَيْ المُبدِعَين ليتحدّث معهما. يخاطب هذا الجانب الأطفال جيداً، لأنّه سحريّ بعض الشيء. رغبنا أيضاً في جذب اهتمام الكبار بقصص المؤلّفَين المعروفَين كاسمين، لكن لا يُعرف الكثير عن حياتهما. أردنا مشاركة ذلك، والاستمتاع مع الصغير نيكولا، الذي تُعتبر قصصه مؤثّرة جداً لجمهورٍ من كلّ الأجيال. لذلك، عندما كنّا نلتقي الجمهور، في مرافقتنا إطلاق الفيلم، سمعنا تعليقات كثيرة بهذا الخصوص، وهذا مبعث سرور، لأنّ هذه نيّتنا منذ البداية.
ما أثّر فيّ عندما يصحب الكبار أطفالهم إلى السينما لمشاهدة الفيلم، فيكونون هم أكثر من يتأثّرون به، ويأخذون الميكروفون من أيدي أطفالهم ليقولوا: "شكراً لكم. أدمعت عيناي. تأثّرت كثيراً به". لم نكن نتوقّع أنْ يفاجأ الناس بهذا الجانب المؤثّر منه. إنّه عملٌ شاعري، لكنّه يظلّ وفيّاً لأنّنا حاولنا أنْ نكون صادقين قدر الإمكان.