بإخراج مشترك مع بنجامان ماسّوبر، حقّقت أمانْدين فرودون فيلمها الطويل الأول "الصغير نيكولا: ماذا ننتظر لنكون سعداء؟"، عن روح الخلق التي ألهمت مبدِعَين كبيرين، هما جان ـ جاك سامْبي في الرسم، وروني غوسيني في كتابة القصة، لإبداع إحدى أكثر شخصيات القصص المُصوّرة تأثيراً في فرنسا والعالم.
مبادرة إنتاج الفيلم من آن غوسيني، بنيّةِ تكريم والدها ورفيق دربه سامْبي، كانت محفوفة بخطر صنع فيلم ديداكتيكي، لولا ضربة المعلم المتمثّلة في قرار الكتابة المزدوجة: أنْ يكشف الحكي مسار الخلق الذي يفضي إلى تكوّن أواصر صداقة متينة بين المؤلِّفَين، وأنْ يخترق "الصغير نيكولا" عالمهما، مُتربّعاً على لوحة رسم سامْبي (صوت لوران لافيت)، أو مستلقياً على لوحة مفاتيح غوسيني (صوت آلان شابا)، ليلقي بدوره نظرةً حانيةً، تُخفّف من الطابع المأساوي للجانب الذي يتحوّل فيه الفيلم إلى شبه وثائقي تحريك، يقتفي الطفولة الصعبة للمبدعَين، وكيف كان خَلْقُ نيكولا وسيلةً لتضميد جراحهما: غوسيني، الذي أمضى صباه في الأرجنتين، في عائلةٍ يهودية قُتل 3 من أفرادها في الحرب العالمية الثانية، ومعاناة سامْبي، بسبب أب مُدمن على الكحول، وأمّ سريعة الغضب.
حمولةٌ تراجيدية، تجد أوجّها في لحظة اللقاء الأخير، الذي جمع المبدعَين أسبوعاً قبل الوفاة الباكرة لغوسيني بسكتة قلبية (5 نوفمبر/ تشرين الثاني 1977)، قبل بلوغه 51 عاماً (مولود في 14 أغسطس/ آب 1926)؛ والذي يجد صداه في رحيل سامْبي (11 أغسطس 2022)، قبل أسابيع قليلة على إطلاق الفيلم (مولود في 17 أغسطس 1932). غير أنّ قصص "الصغير نيكولا"، التي تتخلّل الحكي، تحمل نسائم طرافة ورقّة تلطّف الأجواء، مَدينةً في ذلك لخطّ سامْبي، المميَّز بجماله واهتمامه بالتفاصيل، من دون أنْ يكون واقعياً، مع مساحة البياض التي تحفّ بالرسوم؛ وأسلوب غوسيني في كتابة وضعيات كوميدية، مؤثّرة بصدقها وطابعها المشاغب والمُتهوّر.
عملٌ أوّل استثنائي، تبارى على الكاميرا الذهبية في الدورة الـ75 (17 ـ 28 مايو/ أيار 2022) لمهرجان "كانّ"، قبل أنْ ينال جائزة "كريستال الفيلم الطويل (الجائزة الكبرى)"، في الدورة الـ46 (13 ـ 18 يونيو/ حزيران 2022) لـ"المهرجان الدولي لفيلم التحريك في آنسي".
في الدورة الـ21 (3 ـ 8 مارس/ آذار 2023) لـ"المهرجان الدولي لسينما التحريك بمكناس (فيكام)" في المغرب، التقت "العربي الجديد" أمانْدين فرودون.
(*) كيف دخلت عالم سينما التحريك؟
جئتُ إلى التحريك عن طريق الرسم. أحببت الرسم منذ طفولتي، ودرست البكالوريا بنظام الفنون التطبيقية، بشقّيها التقني والفني. فيه نتعلّم كيفية رسم النماذج الحية والرسومات المعمارية. هكذا تتمرّن على أشياء عدّة، فتكون الدراسة مُكوِّنةَ للغاية. اجتزت دورات تدريبية عدّة في الإعلان والرسم التوضيحي، ثم ولجت، عن طريق الفنون الجميلة، مدرسة الصُوَر في "أنغوليم". هناك، كانت تُنظَّم ورشة عمل في القصص المصوّرة، أمضيت فيها 3 سنوات. بما أنّ فترة التدريب طويلة، قلتُ لنفسي: "حسناً. أنا الآن أصنع قصصاً مُصوَّرة. لمَ لا أكتشف شيئاً آخر؟". حينها، كان أحدهم يصنع فيلم تحريك صغيراً إلى جانب عمله، فألهمني ذلك. طلبت من مُدرِّس التصوير الفوتوغرافي أنْ يشتغل بالإضاءة، ومن مُدرِّس الفيديو أنْ يعتني بالكاميرا. طلبتُ حقّ صنع فيلم رسوم متحرّكة خاص بي، لكنْ بالدمى.
لم يكن الرسم بدايتي، لأنّي أحببت الأفلام القصيرة لنِك بارك، منها "والاس وغروميت"، التي أحدثت ثورة حقيقية في عالم التحريك، خاصة في نوع الدمى، بروح الدعابة الخاصة جداً التي تُميّزها. أعشق سينما التحريك، والمدرسة الأميركية تحديداً.
عندما شاهدت هذه الأفلام، قلتُ: أريد أنْ أفعل ذلك، رغم أنّي لا أعرف عنه شيئاً أبداً. في وقت الفراغ المتبقّي لي من دراستي القصص المُصوّرة، حقّقت فيلم تحريك صغيراً، سمح لي بدخول مدرسة "لا بودريار (La Poudrière)"، المشهورة إلى حدّ ما، وهيكلتها بسيطة. هناك، نتعلّم أنْ نكون مخرجين. هذا يعني كيفية إنجاز "ستوري بورد" وصنع الألوان وتقنية التحريك. نتمرّن على كل شيء حقاّ، بما في ذلك تصميم الصوت، وهذا مهمّ.
لا يقتصر الإخراج على الرسم والتحريك فقط، بل يتعلق أيضاً بفنّ إدارة الفرق والميزانيات. كلّ ذلك نتعلّمه في هذه المدرسة، رغم صعوبة الانضمام إليها، لأنّه يتعيّن عليك إظهار مستوى مُعيّناً من الدراسة وصنع الأفلام.
(*) ما المراحل التي ميّزت تجربتك قبل أن تصبحي مخرجة؟ رأيتُ أنّك تولين أهمية كبيرة لتجربتك في "نبوءة الضفادع" (2003، لجاك ريمي جيرير، بصوتي ميشال بيكولي وآنّي جيراردو ـ المحرّر) مثلاً.
في فترة دراستي في "فالَنس" (منطقة "دروم"، جنوبي شرق فرنسا ـ المحرّر)، أحببت حقاً استديو "فوليماج (Folimage)"، الموجود هناك. الاستديو معروف جداً في فرنسا بصنعه أفلاماً مُوجّهة إلى الأطفال، ونسبةٌ كبيرة منها مصنوعة يدوياً إلى حدّ ما، مع خلفيات ملموسة ومواد، ما يجعل شكلها قريباً من الكتب الموجّهة إلى الأطفال. أحببت هذا الأسلوب. كنت محظوظةً أنّ فرصة العمل في هذا الاستديو أتيحت لي فور تخرّجي، وهذا تزامن مع صنعه "نبوءة الضفادع"، أول روائي طويل له. اشتغلت على صنع الألوان، التي كانت تُنجَز على الكمبيوتر، لكنْ انطلاقاً من مادة مصنوعة يدوياً.
كانت التجربة مزيجاً من العمل اليدوي والمعالجة الرقمية على الكمبيوتر، وهذا أثار إعجابي.
(*) كيف اتّخذت القرار، غير البديهي إطلاقاً، بإخراج أول فيلم تحريك طويل لك؟
بعد تدرّجي في مناصب عدّة في "فوليماج"، رغبتُ حقاً في إخراج شيء ما، فعُرض عليّ مسلسل تلفزيوني. لافتٌ للانتباه أنّي وجدت نفسي دائماً مرتبطةً بالقصص المُصوَّرة، مجال تخصّصي الأول، حتى لو لم أكن أنا من رسمها. كلّ المسلسلات التي أنجزتها مقتَبَسة من كتب مُصوّرة، مثل "أريول" (2009 ـ 2017، إنتاج TF1 و"كانال بلوس" ـ المحرّر)، وTu mourras moins bete، وعرضه متواصل على شاشة "آرتي" منذ عام 2016 (فرودون أخرجت الموسمين الأول والثاني ـ المحرّر). هذان المشروعان يُدينان بالكثير لكتب الأطفال.
بخصوص "الصغير نيكولا"، تعرّف المنتجون إلى عملي، فلاحظوا أنّي تخصّصت في الاقتباس من دون أنْ أقصد ذلك. لذا، فكّروا بي فوراً لإخراج هذا الفيلم للشاشة الكبيرة. وراء المشروع تقف آن، ابنة رينيه غوسيني، التي أرادت في البداية مزج الأفلام الأرشيفية للمؤلّفَين، أي الحركة الحيّة، مع تسلسلات تحريك صغيرة للصغير نيكولا. لم تكن أفلام الأرشيف في حالة جيّدة. قال المنتجون: إذا رغبْتِ في إسداء تكريم لجان ـ جاك سامْبي ورينيه غوسيني، ينبغي صنع الفيلم رسماً بأكمله. بدأتْ الفكرة من هنا. اتصلوا بي للجزء المتعلّق بالرسم، وبنجامان ماسّوبر للمونتاج وهيكلة القصة، التي كانت مُعقّدة، مع مزيج من حياة المؤلّفَين وقصص الصغير نيكولا. تعيّن عليه صوغ كلّ ذلك.
جيّدٌ أنّنا اشتغلنا معاً، لأنّ إعداد المشروع مُعقّدٌ للغاية.
(*) كيف تطوّر المشروع مع مرور الوقت، خاصة من حيث اختيارات خطّ الرسم وتقنية التحريك؟
فنياً، كان علينا أنْ نجد طريقة للوصول إلى لمسة سامْبي. هناك عالمان: عالم المؤلِّفَين، وعالم الصغير نيكولا. هذا الأخير، كما تعلم، رُسِم بالأسود والأبيض في الألبومات المُصوَّرة. كنا مُتخوّفَيْن من ذلك بعض الشيء، لأنّه يصعب إخراج الأسود والأبيض على الشاشة الكبيرة، فقرّرنا إضافة الألوان، وأردنا في الوقت نفسه أنْ يغوص المُشاهد في الصورة كما لو كانت كتاباً، فاحتفظنا ببياضٍ كثير في جنبات الصورة. هكذا، عندما تتحرّك شخصية نيكولا نحو حواف الصورة، تأخذ في الاضمحلال حتّى نفهم أنها مصنوعة من الورق، أو أنّها رسم.
تفسح سينما التحريك مجالاً لخلق ذلك، ولكي نقول إنّ هذه الشخصية مزيّفة، مرسومة على الورق. لكنْ، رغم ذلك، لديها حياتها الخاصة.
بالنسبة إلى عالم المؤلّفَين، استلهمنا رسوماً توضيحية كثيرة أنجزها سامْبي لأغلفة مجلة "نيويوركر" التي اشتغل فيها، بشكل رائع، على الضوء والأجواء. أحياناً، أنشأنا لوحة الرسم انطلاقاً من الألوان نفسها، للحفاظ على الجوّ الذي خلقه في هذه الأغلفة.