كانت ألمانيا في طليعة الدول المؤيدة لعدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة. فإلى جانب التصريحات الداعمة لـ"حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، من المسؤولين الحكوميين والسياسيين، وتجاهل الإبادة المستمرة بحق الشعب الفلسطيني، قمعت الحكومة الألمانية العديد من المظاهرات والفعاليات المؤيدة للقضية الفلسطينية، والرافضة لاستمرار العدوان.
امتدت هذه العدوانية إلى المجال الفني والثقافي، مع اتخاذ قرارٍ بقطع التمويل الحكومي عن مركز عيون في برلين نهاية عام 2023، بسبب استضافته مجموعة تدعو إلى وقف العدوان الإسرائيلي على غزة.
منذ انطلاقته مطلع عام 2020، تحوّل "عيون" إلى أحد أهم المراكز الفنية في العاصمة الألمانية، خاصة مع تركيزه على إبراز أصوات الفئات التي لا تحظى بمساحة كافية للتعبير، مثل المهاجرين ومجتمع الميم. كان ذلك سبباً كافياً لحصوله على تمويل بقيمة مليون دولار سنوياً من وزارة الثقافة في حكومة برلين لمدة خمس سنوات. لكنّ كلّ ذلك تغير مع إعلان المركز أنّه سيستقبل احتفالية مجموعة الصوت اليهودي من أجل سلام عادل في الشرق الأوسط، بالذكرى العشرين لتأسيسها.
في البداية، طالبت الحكومة من "عيون" إلغاء الاستضافة، بحجة أنّها ستتسبب بـ"مزيد من التوتر" في ظل الأوضاع السياسية، لكن إدارة المركز رفضت الطلب. نتيجة لذلك، أصدرت مجموعة نواب حزب الخضر في البرلمان بياناً إعلامياً، في أواخر أكتوبر، بعنوان "يجب إلغاء تمويل عيون"، اتهمت فيه المركز بأنّه "يتصرف بطريقة معادية للسامية". تلقف وزير الثقافة في برلين البيان، معلناً أنّه سيتخذ قراراً سريعاً بشأن المركز. وفي 20 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أعلن عن وقف تمويل "عيون" مع نهاية ديسمبر/ كانون الأوّل الحالي.
وأصدر القائمون على "عيون" أكثر من بيانٍ رفضوا فيه الاتهامات الموجهة لهم بمعاداة السامية، ولفتوا إلى رفض الممثلين عن الحكومة ستّ دعوات من المركز من أجل الحوار والتوصّل إلى حلّ للقضية.
استمرار التعنت الرسمي والإصرار على رفض أي شكلٍ من أشكال التواصل، دفع بإدارة المركز لإطلاق حملة تمويل إلكترونية لتأمين نفقات دعوى قضائية تخطّط لتقديمها ضدّ الحكومة، مشيرة إلى أنّ العقد الموقع بين "عيون" والحكومة ملزم، وينصّ على تمويل المركز بين عامي 2022 و2025. وفي مطلع ديسمبر الحالي، أعلن المركز عن نجاحه بجمع مبلغ 72 ألف يورو، ما يكفي لبدء الإجراءات القانونية، محذراً من تداعيات تنفيذ القرار على الحرية الثقافية في ألمانيا، داعياً إلى الحفاظ على وظائف 32 عاملاً، بعضهم قد يخسر إقامته في حال إغلاق "عيون".
اعتبر المركز أنّ القرار "لا يشكل انتكاسة لعيون فحسب، بل هو أيضاً دعوة للاستيقاظ من أجل الدفاع عن حرية التعبير والتنوع الثقافي في برلين، وفي جميع أنحاء ألمانيا"، داعياً إلى "الوقوف معاً لمحاربة الاتهامات التي لا أساس لها".
ووقّع أكثر من 13 ألف شخصٍ، من بينهم فنانون وأكاديميون وصحافيون، رسالة تدعم استمرار "عيون"، وتشجب قرار سحب التمويل.