مضت ستون عاماً منذ ظهور أول أغنية رسمية لكأس العالم، في مونديال تشيلي. وعبر سنوات لاحقة، حضرت الأغاني لتضفي على بطولات كأس العالم بريقاً احتفالياً خاصاً. وبين عشرات الأغاني الرسمية وغير الرسمية، هناك أغان التصقت بذاكرة الجمهور، وأصبحت حدثاً موسيقياً يوازي لحظات البطولة الأبرز. وبخلاف المستوى اللحني لتلك الأغاني، لم يكن لمعظمها ذلك البريق الشعبي.
يمكننا إلقاء نظرة على هذا التاريخ الغنائي، والتفكير في عدد منها.
Hot Hot Hot لـArrow (المكسيك، 1986)
وفقاً للأسلوب السائد في أغاني كأس العالم في السنوات الأخيرة، قد لا تبدو أغنية Arrow ملائمة للموسيقى المرتبطة بميول جمهور الكرة الحالي. غير أن أسلوبها الموسيقي يفرض علينا وضعها في مقدمة أغاني كأس العالم.
حينها، انسجمت Hot Hot Hot مع روح التشجيع، خصوصاً بتوظيف ثيمة التشجيع اللاتينية، "أوليه أوليه". أغنية بأسلوب سوكا Soka، وموطنه ترينيداد، وهو مزيج من موسيقى كاليبسو Calypso الترينيدادية المطعمة بعناصر البلوز، الواضحة بأخاديد الباص. فيما تنقلنا الأبواق الجامحة إلى أسلوبها البراق، كأغنية رقص تجسد روح الثمانينيات، بوصفها آخر عقد لعصر الابتكارات الموسيقية في الغرب. ولا ننسى الإيقاعات ذات الجذور الأفريقية، في مزيج ألقى عليها بهجة وخفة غير مسبوقة في أغاني كاس العالم الرسمية.
Waka Waka لشاكيرا (جنوب أفريقيا، 2010)
ليس هناك أغنية كأس عالم حققت نجاحاً وانتشاراً مثل "واكا واكا" للمغنية الكولومبية شاكيرا، سواء من حيث المبيعات، أو المشاهدات على منصة يوتيوب، إذ وصلت إلى 3.25 مليارات مشاهدة.
اقتبست شاكيرا لحن الجزء الذي تردد فيه واكا واكا، من أغنية Zamani Waka Waka، للفرقة الكاميرونية Zangaléwa (الصوت الذهبي). وهي في الأصل أغنية عسكرية صدرت عام 1986. نجح اللحن في إضفاء طابع أفريقي للأغنية، تجسيداً لمكان الحدث في القارة السمراء. مزجت الأغنية بين البوب والطابع الأفريقي واللاتيني، إضافة إلى موسيقى الإلكترو.
The Cup of Life لريكي مارتن (فرنسا، 1998)
مع صدور أغنية ريكي مارتن The Cup of Life في نسخة فرنسا 1998، تحددت ملامح أغنية كأس العالم بشكل واضح. ربما تكون الأغنية التي جعلت من كأس العالم تحفل بهذا الشكل من الموسيقى. كانت واحدة من أكثر الأغاني تأنقاً في بطولات كأس العالم. وجاءت بطابع اللاتين بوب، بل إنها أطلقت هذا الطراز الموسيقي، ليصبح أحد أكثر الأساليب الموسيقية شعبية. ولعلّها الأكثر تنافسية مع أغنية شاكيرا. وهكذا، لا يزال صدى الأغنيتين يتردد حتى الآن.
Waving a Flag لكانان (جنوب أفريقيا، 2010)
ظهرت الأغنية في مونديال جنوب أفريقيا. سبق لمغني الهيب هوب الكندي/الصومالي، كانان، أن سجلها قبل كأس العالم، لكن شركة المشروبات كوكاكولا، إحدى الرعاة الرسميين لبطولة كأس العالم، اختارتها، لتكون شعارها الرسمي في بطولة جنوب أفريقيا.
ورغم أنها أغنية تسرد معاناة الصوماليين، فقد أصبحت إحدى أيقونات كأس العالم الموسيقية، وحققت نجاحاً على مستوى عالمي، لتحوز ما يزيد على 300 مليون مستمع على "يوتيوب".
ساهم عدد من المغنين في إعادة صنع الأغنية لتلائم أجواء كأس العالم، على رأسهم الفنان دريك. وميزها المزج بين الهيب هوب والبوب، بتمهيد من غيتار بأوتار هادئة، يتبعه انفجار إيقاعي، يسمح بجو احتفالي. وبصورة عامة، تقترح الأغنية مساحة للأمل، ويصل الزخم الاحتقالي إلى فيها ذروته مع أصوات الكورال بأسلوب البوب.
La La La لشاكيرا (البرازيل، 2014)
فرضت مغنية البوب الكولومبية نفسها كنجمة أغاني كأس العالم المفضلة على الإطلاق. على صعيد النجاح، حصلت هذه الأغنية على المرتبة الثانية من حيث عدد المشاهدات على "يوتيوب" بالنسبة لأغاني كأس العالم، بعد أن تجاوزت 1.2 مليار مشاهدة.
تتسم الأغنية بطابع شاكيرا المألوف بمزيج من الروح اللاتينية وطابع البوب الغربي. وتتضح التأثيرات الأفرو-برازيلية في الإيقاعات المتفجرة، وأسلوبها الراقص المتماهي مع روح الثقافة البرازيلية. كما أن الصفة الغالبة عليها أسلوب البوب دانس، مع توظيف موسيقى الإلكترو هاوس. أغنية راقصة تناسب البرازيل، وتدعو إلى الاحتفال ببطولة مع ظهور نجوم الكرة العالميين على فيديو الأغنية.
El Rock Del Mundial لـLos Ramblers (تشيلي، 1962)
قد يبدو ليس مستساغاً في الوقت الحالي أن نعتبر أغنية الفريق التشيلي ملائمةً لبطولة كأس العالم، خصوصاً بالمقارنة مع الأسلوب الذي أصبحت تعرف به في الوقت الحالي.
لكن أول أغنية رسمية لكأس العالم، لا بد أنها تأتي في سياق عصرها، فالفضل الأول لتطور أغنية كأس العالم، يعود إلى التكنولوجيا وتطورها خلال عدة عقود. وتلك الاستهلالة الموسيقية للبطولة العالمية اعتمدت بدرجة أساسية على طراز الروك أند رول، الأكثر شعبية حول العالم آنذاك. طراز قابل لإشباع الموسيقى بعنفوان البطولة وحماستها.
انحازت الأغنية إلى أسلوب نجم الروك في الخمسينيات، تشاك بيري، وامتلأت لاحقاً بأسلوب آلفيس بريسلي. نلاحظ ضربات الغيتار الكهربائي وتآلفاته مع الكيبورد، والشحن الإيقاعي. إنها أغنية تتسم بالأناقة. ولعلها على الصعيد الموسيقي أرقى من سابقاتها في القائمة. لكن، ما ميز الأخريات، هو طبيعة اتصالها بشغف المشجعين وروح التنافس في الملاعب.
Un'estate italiana لجيانا نانيني وإدواردو بيناتو (إيطاليا، 1990)
اختار "فيفا" تلك الأغنية التي تعني: لتكن الرقم واحدا. جرى تسجيلها بأسلوب الروك لنهاية الثمانينيات، لتلائم زمنها السياسي أكثر من الكروي، إذ كانت الحرب الباردة تمضي إلى النهاية بانتصار المعسكر الغربي. وعلى الأرجح، لم يكن هذا الاتصال مقصوداً؛ إذ امتلأت الأغنية بمسحة إيطالية مشحونة بعاطفة، كما لو أنها صيغة حالمة بأمنيات جمهور البلد المستضيف، ليتوج منتخبهم الأزرق.
تطفو مسحة البالاد، وضربات الغيتارات الكهربائية بتآلفات الروك، والغناء الشجي المنسوج ببحة الجنوب الأوروبي. لكنها تسمح لإنشاد عاطفي تمتزج فيه الموسيقى الغربية وغنائية حوض الأبيض المتوسط. وربما جسدت ذاتية إيطالية محمومة أكثر من كونها علامة لأغنية كأس عالم، لكن لحنها جذاب.
El Mundial (الأرجنتين، 1978)
كان الشعار الموسيقي للبطولة المقامة في الأرجنتين استثنائياً لأمرين؛ الأول أن مؤلفه أحد أعلام التأليف الموسيقي للسينما، الإيطالي الحائز إينيو ماريكوني، والثاني لأن الشعار لم يكن أغنية، إنما موسيقى فقط، بعدها تم تضمين اللحن في أغنية.
ربما، لا يتسم اللحن بمزاج كرة القدم، لما فيه من مسحة حالمة، يجري تصعيدها بنبرة بطولية، غير أنه من الناحية الجمالية، رغم بساطته، يتسم بطابع رفيع، ربما لا نجده بين الشعارات الأخرى لأغاني كأس العالم. ومن الوهلة الأولى تم تجاهله، لكن طابعه الكلاسيكي الرومانتيكي وغنائيته، يجعلنا نكتشف جانباً غنائياً من كرة القدم لا يمكن إهماله.
We Are One لبيتبول وجينيفر لوبيز وكلاوديا ليتي (البرازيل، 2014)
لاقت هذه الأغنية ردود فعل سلبية من الجمهور البرازيلي، كون أسلوبها الموسيقي لم يتضمن شعور موسيقى بلدهم، رغم إشراك نجمة البوب البرازيلي، كلاوديا ليتي، فالطابع العام طغى عليه الهيب هوب والبوب. كما أن بريق الأغنية الرسمية، "واكا واكا"، لمونديال جنوب أفريقيا الذي سبق بطولة البرازيل، يجعل من هذا الإصدار أقل جاذبية بكثير.
على أنها اتبعت العناصر الجوهرية لأغنية كأس العالم، وتحديدا في العنفوان الإيقاعي ونشوة الكورال، مع ما اتسمت به من طراز عصري لأغنية متوسطة، لكنها تناسب شغف وحماسة البطولة الكروية الأهم.
وما يميز هذا العمل، استخدام مفردات من لغات عديدة لمحاكاة أصوات المعلقين من مناطق مختلفة، في لحظات درامية للعبة. تبدأها بالتعبير العربي "فرصة، فرصة" على الطريقة الحماسية للمعلقين، وما يقابلها من كلمات في لغات، أخرى مثل الإسبانية.