تحت شعار "التسويق أولاً"، بدأ وانتهى موسم الصيف الغنائي في 2022، مفتقداً هذا العام الظواهر الموسيقية الجديدة، مقابل تغيرات تسويقية وترويجية واضحة، فرضت نفسها على شكل الأغاني، في موسم يعتبر الأكثر ازدهاراً في السوق الغنائي العربي.
وكشفت التطورات الجديدة في المنافسة الغنائية الأخيرة، عن نتائج فترة الإغلاق في جائحة كورونا منذ عامين، بتزايد الاهتمام بمنصات الاستماع على الإنترنت، وعلى رأسها بالطبع منصة "تيك توك"، التي أصبحت ربما الوسيلة التسويقية الأولى للمطربين هذا العام.
وداعاً للألبومات
أول التغييرات التي برزت في موسم أغاني الصيف المنصرم، ابتعاد المطربين وشركات الإنتاج عن الألبومات، التي تحولت إلى "موضة قديمة" في سوق الغناء حالياً، بسبب التكلفة الإنتاجية الكبيرة لها، وعدم ملاءمتها لطرق التسويق الجديدة. اتبع المطربون طريقة جديدة، تتمثّل بنشر الأغاني منفردةً على دُفعات، على مدار العام، لضمان حصول كل أغنية على فرص تسويق واستماع كافية على جميع المنصات، من أجل ضمان الأرباح، وكذلك من أجل الحضور في الترند طوال العام بأغان جديدة، بدلاً من الاكتفاء بألبوم غير مضمون النجاح والاختفاء بقية العام.
على رأس هؤلاء الذين ودّعوا الألبومات الفنان المصري عمرو دياب، الذي ظل خلال معظم مسيرته الفنية مرتبطاً بموسم الصيف وملتزماً بسياسة الألبومات، إلا أنه رضخ للمتطلبات التسويقية هذه المرة، وطرح أغانيه بشكل منفرد طوال موسم الصيف. ولكن قبلها اتخذ قراراً تسويقياً مفاجئاً، بنشر أرشيفه وأعماله الجديدة مع منصة "أنغامي" حصرياً، كنتيجة أيضاً لتصاعد أهمية منصات الاستماع الإلكترونية في سوق الغناء، وأثر هذا القرار على عمرو دياب بفقدانه جزء كبير من الزخم الجماهيري في الموسم، خاصة بغيابه عن يوتيوب.
واستطاع عمرو دياب النجاة في موسم الصيف بأغان أكثر ملائمة لفيديوهات "فيسبوك" و"تيك توك" القصيرة، مثل أغنية "اللوك الجديد"، وهي نفس المعضلة التي وقعت بها المطربة السورية أصالة نصري بألبومها "شايفة فيك"، حين طرحت مجموعة متنوعة من الأغاني على دفعات، ما أربك الجمهور وجعلها توضح بنفسها على تويتر طريقتها الجديدة في طرح أغاني الألبوم، الذي ضم الأغنية الأكثر نجاحاً لها في الصيف، "غلبان"، لتوفر مقومات النجاح على "تيك توك" في أغنيتها الدرامية، وطرحها بشكل منفرد قبل بداية الألبوم.
شهد موسم الصيف أيضاً محاولات لعدد من المطربين في المنافسة بالطريقة القديمة، عبر إصدار ألبومات كاملة، مثل تامر حسني في ألبوم "عشأنجي"، ولطيفة التونسية في ألبوم "هنعيشها مرة واحدة"، ولكن لم تستطع أغاني هذه الألبومات الحضور في قوائم الأغاني الأكثر استماعاً، أو لفت الانتباه أمام الأغاني المنفردة.
الرومانسية تنتصر
وعلى عكس الشائع، من أن الموسم الصيفي يحتاج إلى الأغاني الإيقاعية والراقصة، كسرت "من أول دقيقة" للمغنية اللبنانية إليسا مع المغني المغربي سعد لمجرد هذه القاعدة، بعدما أصبحت الأغنية الأكثر استماعاً في موسم الصيف، بأكثر من 250 مليون مستمع في أشهرها الأولى على يوتيوب.
اعتمدت الأغنية على طريقة تسويقية معروفة بتعاون فنانين مختلفين في القاعدة الجماهيرية، مع عناصر فنية كلاسيكية في الأغنية، بكلمات رومانسية وغزلية معتادة، ولحن مألوف يثير الحنين لفترة التسعينيات. وشجعت هذه الحالة إليسا على تكرارها وإنتاج أغنية شبيهة لها بمفردها، تحمل عنوان "أنا وبس"، ولكن أرقامها لا تقارن بالدويتو مع لمجرد.
جذبت الرومانسية في الصيف عددا من المطربين الشباب، ومنهم مغني الراب المصري ويجز، الذي فضل الحضور في الموسم بأغنية رومانسية بعنوان "أميرة"، بعد النجاح الكبير لأغنيته الرومانسية "البخت" في شتاء هذا العام. وأبرزت الموجة الرومانسية مع منصة تيك توك صوتاً جديداً في الساحة الغنائية، وهي المطربة اللبنانية فرح شريم، بعد الانتشار الكبير لأغنيتها الرومانسية "قلبي إلو"، وهو ما قد يثبت أن الدراما والرومانسية تجوز بالفعل في الصيف وفي "تيك توك".
أما سعد لمجرد، فقرر تجاوز نجاح "من أول دقيقة" بمنافسة المطربين المصريين بأغنية إيقاعية هذه المرة، بعنوان "الحلق اللي عامل قلق". تُضاف هذه الأخيرة إلى قائمة من موجة أغاني البوب الجديدة المتأثرة بكلمات أغاني المهرجانات المصرية، باعتمادها الكبير على قاموس من الجمل الغزلية الحسية والشعبية، وغالباً تكون من توقيع الشاعر والملحن المصري عزيز الشافعي، الذي أنتج في نفس الفترة أغنية "أدرينالين" لمحمد حماقي من نفس القاموس، وجاء نجاحه الأبرز في الصيف مع بهاء سلطان في أغنية "دلوقتي عجباكوا"، ومع الفنانة المصرية روبي في أغنية "نمت ننة"، التي عززت بها عودتها الغنائية بعد غياب طويل بأغان فكاهية واستعراضية بروح شعبية مصرية.
أغاني الأفلام
وباستعادة السينما المصرية نشاطها بعد فترة كورونا، استعادت معها قدرتها التسويقية لأغاني الأفلام، وفي مقدمتها أغاني فيلم "من أجل زيكو"، الذي امتد تأثيرها إلى موسم الصيف، خاصة أغنية "الغزالة رايقة"، للطفل محمد أسامة، مع الممثل كريم محمود عبد العزيز. وأصبحت من الأغاني الأكثر استماعاً هذا العام بأكثر من 70 مليون مُشاهدة على "يوتيوب".
كما ضم الفيلم أغنية شهيرة أخرى، هي "سايرينا يا دنيا"، للمطرب أحمد سعد، الذي استعاد بريقه في موسم الصيف بعدة أغان أخرى، مثل "اليوم الحلو ده"، من فيلم "عمهم"، وأخيراً أغنيته "وسع وسع".
ومن نتائج صحوة السينما بجانب "تيك توك"، منافسة الممثل أحمد حلمي نجوم الغناء بـ "الحركة دي"، من فيلمه "واحد تاني"، التي حازت أكثر من 45 مليون مستمع، وكان نجاحها الأبرز على "تيك توك"، بسبب تركيبة الأغنية التي تحتوي على مقاطع منفصلة تدعو للرقص وتحديات الحركات الجديدة.
صح صح
كان النصيب الأكبر من أغاني صيف 2022 للأغاني الاحتفالية، التي تمثل الأسلوب التقليدي للمطربين في صناعة أغان صيفية ناجحة، أي أنها يجب أن تكون أغنية راقصة تحمل كلمات تدعو للبهجة ونسيان الأحزان والماضي، بطريقة مباشرة، وعلى رأسها أغنية نانسي عجرم "صح صح" مع دي جي مارشميلو. قد تعتبر أبرز الأغاني من هذا النمط، وأصدرت بعدها نانسي عجرم أغنية شبيهة بعنوان "عيشها بعافية"، مع مغني الراب المصري مروان بابلو، وقبلها أغنية حسين الجسمي "دلع واتدلع" في بداية موسم الصيف، حاول بها تكرار قنبلته الغنائية "بالبنط العريض" في صيف 2021، إضافة إلى أغنية "حفلة" للمطربة اللبنانية نوال الزغبي، وأغنية مواطنتها ميريام فارس "قضيها انبساط"، وأخيراً أغنية "ونتدلع" للمطربة بلقيس، و"استمارة 6" لراغب علامة، و"هنعيشها مرة واحدة" للطيفة التونسية.