كشفت مصادر إعلامية مصرية مطلعة أنّ "الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية"، المظلة الاستثمارية التابعة مباشرة للمخابرات العامة، تخطط للاستيلاء على أصول المؤسسات الصحافية والإعلامية المملوكة للدولة ممثلةً في الهيئة الوطنية للصحافة، وما يتبعها من إصدارات صحافية يومية وأسبوعية وشهرية، والهيئة الوطنية للإعلام (مبنى ماسبيرو).
وقالت المصادر، لـ"العربي الجديد"، إن الحكومة وافقت على نقل ملكية أصول المؤسسات الصحافية القومية إلى "الشركة المتحدة" بصورة تدريجية، في مدة أقصاها 5 سنوات، بذريعة تراكم الديون عليها لصالح هيئة التأمينات الاجتماعية، ومصلحة الضرائب المصرية، وتجاوزها نحو 7 مليارات جنيه، أي ما يعادل 445 مليون دولار تقريباً.
وأضافت المصادر أن مخطط "المتحدة" يعتمد على إعادة هيكلة الصحف القومية من خلال دمج إصداراتها ووقف العديد منها خلال الفترة المقبلة، بحجة تقليل حجم الخسائر، والإبقاء فقط على الإصدارات الرئيسية، مثل صحف "الأهرام" و"الأخبار" و"الجمهورية" اليومية، بغرض تسهيل إجراءات نقل ملكية أصولها إلى الشركة المملوكة للمخابرات.
وتابعت أنّ رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي أصدر تعليمات مشددة لرؤساء مجالس إدارات الصحف القومية بوقف التعيينات فيها إلى أجل غير مسمى، وعدم تمديد الخدمة لأي من الصحافيين أو الإداريين أو العمال بعد الوصول إلى سن التقاعد (60 عاماً)، من أجل التخلص من أكبر عدد ممكن من العاملين فيها خلال السنوات الخمس المقبلة. وأفادت المصادر بأن الدولة تريد تسليم ملف الإعلام كاملاً، الحكومي منه والخاص، إلى "الشركة المتحدة"، لضمان السيطرة على المضمون الصحافي والإعلامي، والاستحواذ على الغالبية الكاسحة من الصحف والمواقع الإخبارية والقنوات الفضائية، مع طرح جزء من أسهم الشركة للتداول في البورصة المصرية لاحقاً، وذلك لنقل الأعباء المالية إلى أطراف جديدة "قد تكون إقليمية"، على حد تعبيرها.
أما مخطط الاستحواذ على مبنى ماسبيرو، فبدأ بتوقيع الهيئة الوطنية للإعلام بروتوكولاً مدته 5 سنوات مع "الشركة المتحدة" في عام 2020، بدعوى تقديم محتوى أفضل ومتطور على شاشات التلفزيون المصري من خلال بعض البرامج الجديدة، علماً أن الشركة تملك حالياً أغلب الصحف والقنوات الفضائية الخاصة، وتعمل جاهدة للسيطرة على الإعلام المصري برمته. ونظم مئات من العاملين وأصحاب المعاشات في اتحاد الإذاعة والتلفزيون سابقاً "ماسبيرو" العديد من التظاهرات الحاشدة داخل المبنى الرئيسي مؤخراً، للمطالبة بصرف مستحقاتهم المالية المتأخرة، الأمر الذي استجابت له الهيئة الوطنية للإعلام برئاسة حسين زين، بعد أخذ موافقة وزارة المالية، خوفاً من امتداد الاحتجاجات إلى الشارع بالتزامن مع الذكرى الحادية عشرة للثورة في يناير/كانون الثاني الماضي.
وتستهدف خطة "تطوير الإعلام"، كما يسميها النظام المصري، "ترسيخ مفهوم الإعلام القومي للدولة الذي يقلص بدوره حرية الرأي والتعبير، وتحكم أجهزة الدولة الأمنية في السياسة الإعلامية طبقاً لأهواء السلطة الحاكمة، مع الاستغناء عن الآلاف من العاملين في المؤسسات الصحافية والإعلامية الحكومية ضمن مخطط ترشيد النفقات، وإلغاء بعض الصحف الورقية، وتحويلها إلى إصدارات إلكترونية".
وسبق أن كشفت "العربي الجديد" قيام المخابرات العامة والأمانة العامة في وزارة الدفاع بحملة مراجعة دقيقة لجميع حسابات المشاريع الاستثمارية، التي أقيمت بأموال المخابرات والجيش خلال الفترة الماضية خلف واجهات مدنية، كان قوامَها ضباط سابقون في الجيش والمخابرات والشرطة، بعد تلقيها تقريراً باكتشاف مخالفات مالية كبيرة في عدد كبير من المشاريع. وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2019، ألقي القبض على رجل الأعمال وضابط المخابرات السابق ياسر سليم، الذي كان من الشخصيات الفاعلة في عملية سيطرة المخابرات العامة على الصحف والقنوات الفضائية في مصر. وفي ذلك الوقت، نشرت المواقع المملوكة للمخابرات والموالية للنظام، بصياغة موحدة، أن سبب إلقاء القبض على سليم هو "اتهامه بإصدار شيكات من دون رصيد للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية".
ويحذر خبراء إعلاميون من ممارسات احتكار الإعلام في مصر بوصفها الخطوة الأولى لتدمير السوق الإعلامي، وانحدار صناعة الإعلام التي تعد الأكبر في الشرق الأوسط، لكن "الشركة المتحدة"، ومن ورائها جهاز المخابرات العامة، تعاملت مع تلك التحذيرات باعتبارها "محاولة لتعطيل سعيها للهيمنة على السوق من قبل منافسين لها".
وتستحوذ "المتحدة للخدمات الإعلامية" على صحف رئيسية مثل "اليوم السابع" و"الوطن" و"الدستور" و"الأسبوع" و"مبتدأ" و"أموال الغد" و"دوت مصر" و"صوت الأمة". كما تستحوذ على مجموعة قنوات "دي إم سي" و"الحياة" و"سي بي سي" و"إكسترا نيوز" و"المحور" و"الناس" و"أون" و"تايم سبورتس" و"النادي الأهلي" و"نادي الزمالك"، إضافة إلى برامج القناة الأولى والفضائية المصرية المذاعة على التلفزيون الرسمي، ومحطات الراديو: "شبكة راديو النيل" و"ميغا إف إم" و"نغم إف إم" و"شعبي إف إم" و"راديو هيتس" و"راديو 9090".
ولم يتوقف احتكار الشركة عند هذا الحد، بل امتد إلى السيطرة على سوق الدعاية والإعلان أيضاً، إذ تمتلك "المتحدة" شركة "بريزنتيشن سبورتس" المحتكرة الأنشطة الرياضية الكبرى، وشركة "استادات" التي تتولى ملف تطوير منظومة الملاعب المصرية.
كذلك، تضم مجموعة شركات متخصصة في الدعاية والإعلان، وأغلبها كانت لديها علاقات قديمة بجهاز المخابرات، أو مملوكة له بشكل غير مباشر، ومنها "ميديا هب" التي كان يتشارك في ملكيتها محمد السعدي وإيهاب جوهر وشركة "بي أو دي" المملوكة لرجل الأعمال عمرو الفقي، وهي الوكيل الإعلاني لكل الوسائل الإعلامية الخاصة بـ"الشركة المتحدة".