أسوشييتد برس... نشر الدعاية النازية في الحرب العالمية الثانية

04 ابريل 2021
الصحافي من AP لويس لوشنر مع وزير الدعاية النازية جوزيف غوبلز في برلين (Getty)
+ الخط -

كانت وكالة الأنباء الأميركية "أسوشييتد برس" (AP) على علم تام واستعداد كامل لتغطية الهجوم الألماني على بولندا. مراسل الوكالة الأساسي في برلين، لويس لوشنر، كان قد علم بالفعل بخطط التوسّع النازية في ربيع عام 1939. وفي 22 أغسطس/ آب من نفس العام ألقى هتلر خطابه المشهور، والذي كشف فيه عن حملته التوسّعية ونواياه الإبادية ورغبته في السيطرة على العالم.

حصل لويس لوشنر على هذه المعلومات الحساسّة قبل خطاب هتلر، وغالبًا من قبل الضباط المحيطين بهتلر مثل لودفيغ بيك. لذلك، ليس من المستغرب أن تكون وكالة أسوشييتد برس هي التي نشرت الصورة الصحافية الأولى لهجوم الجيش الألماني إلى بولندا.

لكن وكالة أسوشييتد برس، وهي وكالة أنباء أميركية عملاقة، كانت قد عقدت صفقة مع الدولة النازية حول حصريّة الأخبار! في برلين، قامت أسوشييتد برس بعمل صحافي صبَّ بشكل واضح لصالح النازية. باستخدام جهاز إرسال، تمكنوا من إرسال صور راديو وصور سلكية عبر المحيط الأطلسي إلى أميركا في غضون دقائق.

نتيجة لذلك، فإنّ الدعاية النازية نجحت في تزويد الجمهور العالمي برواية صحافية "صديقة" ومنحازة إلى ألمانيا ضد بولندا، وكل ذلك عن طريق أسوشييتد برس. كما أنّ الكثير من التقارير التي نشرتها الوكالة آنذاك، تكشف كيف أنّ الهجوم الألماني على بولندا، قد تم تصويره بشكل ورديّ وكأنه "إنقاذ لبولندا". وبذلك، ساعدت الوكالة جوزيف غوبلز بتحقيق أوّل انتصار دعائي له في الحرب العالمية الثانية.

ظهرت ملابسات التعاون بين الدولة النازية والوكالة الأميركية في 3 سبتمبر/ أيلول من عام 1939، بعد يومين من الهجوم الألماني على بولندا. أنذاك، نشرت وكالة الأنباء البولندية PAT تقريرًا يظهر دير شيستوشوفا، وهو موقع ديني مشهور جدًا، وقد تم إحراقه على يد القوات النازية.

في 5 سبتمبر/ أيلول، كتب وزير الدعاية النازية جوزيف غوبلز في مذكراته: "البولنديون يقومون بعمل وحشيّ مروع. قصّة دير شيستوشوفا تمرّ عبر العالم بأسره". ثمّ وضع غوبلز خطّة كي يصنع من الحادثة رأسمالاً لدعايته، إذْ كتب: "لدي الصحافي الأميركي الذي يعمل في وكالة AP، لويس لوشنر، والذي سأحضره عن طريق طائرة حربية مقاتلة إلى دير شيستوشوفا كي يقوم بنفسه بكتابة تقرير عما حصل، ويفنّد للعالم هذه (الكذبة) التي نشرها البولنديون".

إعلام وحريات
التحديثات الحية

من خلال رحلته إلى منطقة الحرب، والتي نظّمتها السلطات النازية، أنتج لوشنر مادة صحافية مذهلة انتشرت في كلّ صحف العالم. انتشرت الصور من خطوط التماس الأولى، ولوشنر نفسه يظهر في بعض الصور. بدون مشاركة لوشنر لم تكن الدعاية الألمانية ستكون قادرة على رسم صورة لنفسها بأنها "تدافع عن نفسها". من خلال وجود الشخصي في الصور، ساهم لوشنر في انتصار الدعاية النازية، وهو أمر لا شكّ فيه الآن. ولا يمكن تبرير التعاون مع الدولة النازية بحجّة أن "الظرف التاريخي مختلف".

هذا النهج لم يكن احترافيًا في ذلك الوقت أيضًا، بل كان يتعارض مع أخلاقيات الصحافة و"المبادئ التوجيهية الخاصّة بالمراسلين الأجانب" الخاصة بأسوشييتد برس، والتي وضعها، للمفارقة الساخرة، لوشنر نفسه! ظاهريًا، لم يقم لوشنر بنشر أي أخبار كاذبة، ولكن روايته للأحداث كانت تقوم فقط بإظهار المناطق التي لم يتمّ تدميرها، ولم يكلّف نفسه عناء التواصل مع السكان الأصليين في المنطقة. مثلاً، قبيل وصوله إلى المنطقة التي يقع فيها الدير، قام النازيون بارتكاب مذبحة كبيرة بحق المدنيين. لم يحاول لوشنر معرفة المزيد حول هذه المجزرة أبدًا، بل إنّه لم يذكرها على الإطلاق.

وبسبب النقد الذي تعرّض له لوشنر، وربّما بسبب يقظة ضمير، قام بذكر تعاونه مع غوبلز في كتاب حول مذكراته في الحرب العالمية الثانية في الستينيات. إذْ وصف لوشنر بأنّه تعرض لـ "حيلة" من قبل وزير الدعاية النازية، وحاول إخفاء دوره ودور وكالة أسوشييتد برس في هذا الأمر، ولكن التاريخ لا يكتب بهذه الطريقة.

المساهمون