أرضيات فسيسفسائية... مزارع فلسطيني يجد آثاراً في مزرعته

20 سبتمبر 2022
عثر النباهين على الفسيفساء البيزنطية عن طريق الصدفة (عبد الحكيم أبو رياش)
+ الخط -

فوجئ المزارع الفلسطيني، سليمان النباهين (52 عامًا)، بأرضيات فسيفسائية أثرية متناسقة الألوان والأشكال، داخل أرضه الزراعية، الواقِعة إلى الشرق من مخيم البريج للاجئين الفلسطينيين، وسط قطاع غزة.
وترجِع الأرضيات الفسيفسائية التي صادفها النباهين، خلال الفِلاحة في أرضه الزراعية، إلى العهد البيزنطي، أي قبل نحو 1800 عام، فيما ظهرت اللوحات متكاملة الأشكال والرسومات والزوايا والأطراف، ولا يزال التنقيب جاريًا لاكتشاف أبعاد الأرضيات ومساحتها.
عثر النباهين على الفسيفساء البيزنطية عن طريق الصدفة، إذ كان يود زراعة شجرة داخل أرضه، ليصادف قطعاً فخارية وقوارير زجاجية صغيرة، أوصلته إلى أرضية مرسومة بأشكال مختلفة من الطيور والحيوانات بشكل متناسق. وبعد سؤاله عنها اكتشف أنها آثار قديمة.
وعن تفاصيل القصة، يقول النباهين في حديث إلى "العربي الجديد" إنه لاحظ قبل ستة أشهر ضعفاً على بعض الأشجار، وموت البعض الآخر، فقرر الحفر في الأرض لاكتشاف السبب. كان يعتقد أنه بفعل صخرة أو حجارة متراصة، إلا أنه وجد ما لم يكن بالحُسبان، إذ اكتشف بداية أرضية فسيفساء، مرسومة بالطيور والحيوانات، بشكل احترافي وواضح.
يتابع: "واصلت الحفر على عمق ما يقارب من 80 سنتم، وبدأت بتوسعة الحفر، واكتشفت لوحات كبيرة من الفسيفساء، وهي سليمة وبنسبة قليلة من التكسير، بفعل عوامل الزمن والتعرية، وبعد تأكدي من أنها آثار قديمة، أبلغت وزارة الآثار لمتابعة العمل".
بدورها، عملت الطواقم الفنية التابعة للوزارة على تحديد امتدادات الموقع وأبعاده من خلال حفر عشر مجسات علمية، بأماكن متفرقة داخل الأرض، تبرز من خلالها معرفة التفاصيل للمكان وآلية التنقيب، كذلك المدلولات الحضارية، التي تعتبر من أهم عوامل التنقيب الأثري للموقع.
وتحول اهتمام النباهين، من زراعة الأرض ورعاية النباتات والأشجار، إلى حراستها بما فيها من مقتنيات تاريخية. يقول: "منذ ستة أشهر لم أغادر الأرض بهدف حراستها، والحفاظ على كل شيء داخل الأرض، لدرجة أنني أبيت الليل داخل غرفة صغيرة، بجوار أرضيات الفسيفساء".
يُضاف الاكتشاف الجديد إلى سلسلة الأماكن الأثرية المهمة في قطاع غزة، وفق حديث النباهين، الذي يوضح أن الجهات المُختصة طالبته بعدم التنقيب أو الحفر في الأرض، وترك الأمر للخبراء والمختصين.
ولا يُنكر المزارع الفلسطيني على وزارة الآثار السيطرة على الموقع المُكتشف، على اعتبار أنه ملك عام للشعب الفلسطيني. وعلى الرغم من عدم علمه بتفاصيل ما سيجري لأرضه في المستقبل، إلا أنه يتمنى البقاء داخل الموقع، لرعايته والحفاظ عليه. يقول: "بعد معرفتي بالقيمة التاريخية والحضارية لأرضية الفسيفساء، فإنني فضلتها على الزراعة، على الرغم من تعطل عملي".

حول العالم
التحديثات الحية

أسفر الكشف المبدئي داخل الموقع المكتشف حديثاً عن وجود مجموعة من الأرضيات الفسيفسائية، وأيقونات الطيور والحيوانات، والتي تعود إلى العهد البيزنطي، فيما تجسد الرسومات الحياة الاجتماعية، إلى جانب الأرضيات التي تجسد الأشكال الهندسية والزخرفية، والمشاهِد العمرانية.
ولا يزال الكشف الأثري في بدايته، وتحاول الفرق الفنية معرفة المزيد من المعلومات عن طريق مواصلة التنقيب في المجسات، وحفر مجسات إضافية للوصول إلى حدود أرضيات الفسيفساء ودلالاتها، علاوة على معرفة قيمتها الحضارية والتاريخية.
أسس الكنعانيون غزة في القرن الثالث قبل الميلاد، فيما تضم المدينة العديد من الأعيان والمدارس والكنائس والمساجد والآثار القديمة، ومن أبرزها الجامع العمري الكبير، ومسجد السيد هاشم، ومسجد كاتب ولاية، وكنيسة برفيريوس، والكنيسة البيزنطية، وكنيسة الروم الأرثوذوكس، وسوق القيسارية، ومتحف قصر الباشا (قلعة نابليون سابقًا)، وحمام السمرة، وتل المنطار، وتلة أم عامر، والمقبرة الرومانية البيزنطية، وقلعة برقوق، ومقام إبراهيم الخليل، وغيرها من الآثار المُمتدة من شمال قطاع غزة حتى جنوبه.
وأعلنت وزارة السياحة والآثار في غزة أنّ الكشف الأثري لا يزال في بدايته، وأنها تنتظر معرفة المزيد من الأسرار والقيم الحضارية، في مختلف الحقب التي عاشت على أرض غزة، مشيرةً إلى أنّ الكشف المبدئي الأثري المستمر في الموقع، أظهر وجود مجموعة من الأرضيات الفسيفسائية، وأيقونات حيوانات تؤرخ للعصر البيزيطي، ورسومات رائعة تجسد الحياة الاجتماعية، ومجموعة أخرى من الأرضيات ذات الأشكال الهندسية، وبعض المعالم والشواهد العمرانية للجدران الأثرية، و️مقتنيات فخارية وقوارير زجاجية.  

المساهمون