يتردّد، بين حينٍ وآخر، كلامٌ يستعيد ماضي الصحافة المكتوبة، مقارنة بأحوالها الراهنة، في عالمٍ عربيّ يتآكل يومياً، في الاقتصاد والاجتماع والحياة اليومية. يتذكّر البعض "مجد" تلك الصحافة، ودورها في الوعي والنقاش والمعرفة، واشتغالات كثيرين فيها، ممن لهم أدوارٌ متنوّعة في تطويرها وبلورة مساراتها، مهنياً وثقافياً ومعرفياً وتقنياً. يُشيد هذا البعض بالماضي، ويتحسّر على انقراضٍ شبه تام لصحفٍ عربية، مطبوعة ورقياً، مُتذكّراً "رائحة الحبر" التي يتوق إليها صباح كلّ يومٍ، مع فنجان قهوة، يرتشفها مع سيجارة أو أكثر.
هناك من يحنّ إلى ماضي الصحافة المكتوبة/المطبوعة، من دون أنْ يتغاضى عن فوائد التطوّر التكنولوجي، ويجهد في وضع التقنيات الحديثة في خدمة المهنة. لكنّ المسألة متمثّلة في أنّ هناك، في المقابل، من يُقارن بين صحافة مكتوبة/مطبوعة قديمة ومواقع إلكترونية حديثة، مُفضّلاً الأولى على الثانية، لاعتبارٍ مفاده أنّ المواقع كثيرة، لكنّ الغالبية الساحقة من المنشور فيها تفتقد مصداقية المهنة وأخلاقها المهنية.
هذا غير مُحتاج إلى تدقيق، لشدّة صوابيته. كثرة المواقع الإلكترونية العربية غير متوافقة مع مصداقية وجاذبية: هذا صحيحٌ أيضاً. الأمثلة مُتدَاوَلة، وانتقاداتٌ عدّة تُقال، بين حين وآخر، إزاء كمّ هائل من معلومات ومعطيات مُلفّقة وكاذبة، أو بالأحرى خاطئة، تنشرها مواقع عدّة. انتقاداتٌ ترى أنّ مواقع مختلفة غير مُهتمّة بالدقّة والصحّ، وأنّها مقتنعة بكون العجلة في نشر "أيّ شيء" و"كلّ شيء"، من دون التأكّد من صحّة المضمون، سبقاً إعلاميّاً، وأنّ عاملين/عاملات فيها غير مهنيّين البتّة.
المسألة قابلةٌ لنقاشٍ أوسع، وإنْ يشعر البعض بأنّ نقاشاً كهذا لن يُنتج تصحيحاً جذرياً للوضع القائم. غياب قوانين عصرية، تضمن الحريات وتصون ـ في الوقت نفسه ـ قواعد المهنة (الدقّة، الصدق، تحرير المادة لغوياً، أخلاق المهنة، إلخ)، غيابٌ كهذا يزيد من تفاقم الأزمة. لكنّ طرح المسألة منبثقٌ من قولٍ يُقارن بين عدم مصداقية مواقع إلكترونية كثيرة (هناك من يشملها كلّها من دون استثناء، وهذا غير صحيح)، و"مجد" صحافة عربية، مكتوبة/مطبوعة، في إشارة ضمنية إلى مصداقية هذه الأخيرة.
أكتفي هنا بالجانب السينمائيّ، في صحافة عربية، مكتوبة/مطبوعة، قديماً وراهناً. جيل سابق من النقّاد والصحافيين/الصحافيات السينمائيين غير مُنزّه عن أخطاءٍ مميتة، في كتاباتٍ تتضمّن معلومات وأسماء وعناوين غير صحيحة أحياناً، من دون أدنى رغبةٍ، لدى أحدٍ منهم، في إعادة القراءة قبل النشر، والتأكّد من مدى صحّة المكتوب. غالبية المواقع الإلكترونية، في الجانب السينمائيّ على الأقلّ، غير مسؤولة، لوحدها، عن فقدان الدقّة والمصداقية وأخلاق المهنة، وعن انهيار الصحافة والإعلام العربيّين، وعن تفشّي اللامبالاة والتسرّع بحجّة سبقٍ صحافي، يندر أنْ يكترث به محترفو مهنة على حساب مضمون النصّ وشكله.
معلومات كاذبة، أو بالأحرى خاطئة، تُنشر يومياً في شؤون سينمائية مختلفة، ولا أحد في مناصب مسؤولة في مواقع إلكترونية وصحفٍ مكتوبة/مطبوعة يهتمّ أو يُلاحظ، أو يُحاسِب عندما يُلاحِظ. انعدام المسؤولية حاصلٌ في صحفٍ عربية منتمية إلى ذاك الـ"مجد" الغابر، المنتهي منذ أزمنةٍ سحيقة، ويندر، حينها أيضاً، أنْ يهتمّ مسؤول ويُحاسِب عندما يُلاحِظ، بحجّة أنّه يُفترض بالناقد والصحافي/الصحافية السينمائيّ التنبّه والاكتراث وتحمّل مسؤولية ما يكتب وينشر؛ ولأنّ نقّاداً وصحافيين/صحافيات سينمائيين، من الجيل السابق تحديداً، يعتبرون أنفسهم "أباطرة" في المهنة، فيرفضون من يُصحِّح لهم/لهنّ، أو يُنبٍّه، أو يُعلِّق سلباً.
كثيرون من الأجيال اللاحقة بهؤلاء يُشبهونهم، في صحافة عربية، مكتوبة/مطبوعة، أو في ما تبقّى منها حالياً؛ كما في مواقع إلكترونية، تزيد من فداحة الانهيار المهنيّ، يوماً تلو آخر.