ينتمي البابان التاريخيان المغربيان "باب أغمات" و"باب دكالة" إلى عهد الدولة المُرابطية، التي حكمت المغرب في فترة حرجة من تاريخه الوسيط، مع نشر الإسلام الذي كان ضرورياً في رحاب الصحراء، وترسيخ القواعد القبلية، ما جعلها تُؤسّس لاحقاً، قبلياً وتنظيمياً، دولة قويّة البُنيان، شامخة التشييد على المستوى الحضاري.
ولم يكُن البابان في مدينة مراكش، إلّا من ثمرات هذا التراث المعماري إلى جانب أبواب أخرى لعبت دوراً كبيراً في ذاكرة المنطقة. وإلى جانب ما يحمله البابان من أهميّة تاريخية تعود إلى القرن الـ 12، فإنّ ملامحهما الجماليّة تُؤكّد المكانة الفنّية التي وصل إليها المرابطون في تأسيس دولة وصلت سُلطتها إلى حدود ربوع المغرب الأوسط. المُثير للدهشة أنّ المعمار المرابطي، أسهم فيه علماء ومهندسون ومُصمّمون قدموا من الأندلس وأثروا في خصوصية هذا التراث الفنّي، فكانت هذه المرحلة ذات جماليّة مغربيّة مطبوعة بمُخيّلة أندلسية، حاولت أنْ تقطع تدريجاً مع الفنّ البيزنطي الذي طبع بلاد المغرب الأقصى قبل قيام الدولة المرابطية.
المعمار المرابطي أسهم فيه علماء ومهندسون ومُصمّمون قدموا من الأندلس وأثروا في خصوصية هذا التراث الفنّي
على هذا الأساس، وفي مُحاولة تثمين التراث المعماري بجهة مراكش-آسفي، وجعله قاطرة صوب التنمية، عملت المديرية الجهوية للثقافة، على مُضاعفة جهودها من أجل التفكير في ترميم البابين الشهيرين في مدينة مراكش، لما يلعبانه من دور كواجهةٍ سياحية بالمنطقة، خاصّة أنّهما يُعتبران مدخلين سياحيين للمدينة القديمة وكنوزها المعمارية. ثمّ لكونهما يحملان دلالة عسكرية وأبعاداً حضارية كنوعٍ من تبيان القوّة والاستقرار إبان الحقبة المُرابطية. هذا الأمر، جعل زعماء الدولة يُفكّرون في نقل إشعاعهم المعماري بعد سلسلة حروب شهدتها الدولة. كذلك إنّ هذا المجهود لن يبقى، حقيقةً، حبيسَ عملية تقنية تُدعى "الترميم"، بقدر ما عزمت الجهة على تحويل بابي "أغمات" و"دكالة" إلى فضاءين ثقافيين لإقامة عروض جماليّة ولقاءات تراثية وثقافية ومعارض فنّية. ما يجعل الفضاءين التاريخيين يخرجان من ذاكرتهما التليدة ويعيشان حياة ثانية ضمن سيرورة الحداثة ومُسايرة تحوّلات الواقع المغربي.
وإذا كان البابان المرابطيان يعتبران معلمين عريقين، فإنّ ذلك لم يمنع المديرية الجهوية للثقافة من جعلهما أفقاً لتنمية السياحة المحلية، بما تتطلّبه من ترميمٍ وتجديدٍ لمُختلف قاعات العرض والمرافق الصحية وصيانة فضاءاتها الخارجية، خصوصاً أنّ مراكش تُعتبر من أكبر المُدن السياحية في المغرب، وتعتمد بالدرجة الأولى على العنصر التراثي في تغذية السياحة محلياً وجلب أكبر عدد من السياح والمثقفين والفنانين من كل بقاع العالم. وبالتالي، إنّ الاهتمام بتثمين تراثها الثقافي يبرز كضرورة مُلحّة على العاملين في الشأن التراثي للعناية بذاكرة المرابطين وحضارتهم.
كذلك إنّ "الاستقرار" الذي طبع حياة المرابطين السياسية الأولى مع الزعيم والداعية عبد الله بن ياسين، كان له أثر كبير في ترسيخ تيجان حكمهم خلال عهد يوسف بن تاشفين من خلال إقامة الأسوار وبناء المساجد والأبواب، التي تُشكّل مدخلاً معمارياً للمدينة القديمة. ذلك أنّ الأبواب لم تكُن مجرّد أبنية مدنية لدى المرابطين، بل تُمثل الأوج المعماري الذي وصلت إليه دولتهم، الذي ستجري تغذيته وتثمينه مع الدولة الموحدية.
مراكش تُعتبر من أكبر المُدن السياحية في المغرب وتعتمد بالدرجة الأولى على العنصر التراثي في تغذية السياحة محلياً
لذلك، إنّ الباحث عن معالم التراث الديني المعماري، يجد في الحضارة المُرابطية وأبوابها بالمغرب مادّة غنيّة في محاولة تلمّس هذا التراث الثقافي والعلاقة التي نشأت في العصر الوسيط بين الفنّي والديني. وهكذا، قد يجد السائح أنّ البابين لم يخرجا، على المستوى الجماليّ، عن الطابع الإسلامي في التعريف والنظر إلى الفنّ. ولأنّ المَساجد كانت أوّل معمار بناه المسلمون وبرعوا فيه داخل المنطقة العربيّة، فإنّ ذلك كان عاملاً أساسياً في انتقال كلّ ما هو ديني إلى عمق جماليّات الأسوار والأبواب التي شُيّدت لاحقاً.