تشهد مدينة الموصل العراقية إيقاف عمل البعثات الأوروبية المتخصصة بالتنقيب عن الآثار، بسبب التجاوزات على الأراضي الأثرية التي يشترك في ارتكابها مواطنون عراقيون وجهات سياسية وأمنية.
وأفادت مصادر متخصصة بالآثار بأن العديد من البعثات الدولية للتنقيب عن الآثار في مدينة الموصل توقفت عن العمل، وأجّلت كل حفريّاتها وأبحاثها، بسبب التجاوز على الأراضي في تلك المناطق من قبل البعض.
وقال الخبير بالآثار، العراقي علي النشمي، إن "بعثة جامعة بونوليو الإيطالية كانت تنقب في منطقة الرحمانية، وقد أوقفت عملها، وكذلك جامعات ألمانية كانت تعمل بالقرب من سور الموصل وبالقرب من منطقة النبي يونس، بسبب التجاوز على الأراضي".
وأضاف في تصريحٍ صحافي أن "التجاوز على الأراضي قد حصل بعد سيطرة تنظيم (داعش) على الموصل، إذ سجّل بعض الفاسدين حينها تلك الأراضي في (الطابو)، أي الملكية الرسمية المعترف بها على صعيد الدولة، وبيعها لبعض المواطنين، رغم أنَّها تدخل ضمن مناطق أثرية مملوكة للدولة، وهي حقّ عام لا يمكن بيعها، وعلى الدولة التحرك وفتح التحقيق بهذا الملف المهم جداً، لأنّ هذه مناطق أثرية يجب أن تخضع لحماية ورقابة من الدولة، وليست مجرّد أراضٍ جرداء للاستثمار أو النهب".
الموصل مدينة غنية بالمواقع الأثرية التاريخية. فالمدينة القديمة هي عاصمة الآشوريين، وتعود بعض المناطق إلى أكثر من 2700 سنة قبل الميلاد، إضافة إلى أهميتها التاريخية بالنسبة إلى المسلمين والمسيحيين وحتى اليهود. إلا أن معظم المناطق الأثرية في محافظة نينوى تحوَّلت إلى مكبّات للنفايات ودورات مياه صحية وأسواق عامة وبيوت مخالفة.
وفي السياق، قال المسؤول المحلي في محافظة نينوى، حسام العبار، إن "منطقة الرحمانية وغيرها من المناطق المجاورة لها، فيها فضاءات تاريخية وأثرية كثيرة، لكن الأهالي في المنطقة شيدوا منازل عليها، وهو يعتبر تجاوزاً على الأراضي المهمة تاريخياً"، مؤكداً لـ"العربي الجديد" أن "الأسابيع الماضية شهدت حملة حكومية لرفع التجاوزات من المواطنين من أجل استكمال عمليات التنقيب والبحث عن الآثار التي تعتبرها نينوى ثروة وطنية حقيقية وتستحق الاهتمام".
وأضاف العبار أن "ملف الأراضي والتجاوزات في المحافظة يقف أكثر من طرف خلفها، بدءاً بالمواطنين وبعض الجهات السياسية والأمنية التي تريد أن يكون لها تأثير في نينوى"، موضحاً أن "كثيراً من المناطق التي تُعَدّ أثرية باتت سكنية بسبب ضعف الإدارة والتواطؤ مع جهات سياسية تسعى إلى تسهيل مهمة أي جماعة في الاستيلاء على الأراضي مقابل الأموال. أي أنّ الآثار العراقية أيضاً دخلت في دورة الفساد الحكومي العراقي".
إلا أن مصادر أخرى من نينوى قالت لـ"العربي الجديد" إن "أبرز الخلافات على ملكية الأراضي الأثرية في المدينة تتمحور حول دائرتين حكوميتين، هما الوقفان السني والشيعي"، مبينة أن "الخلافات بلغت مرحلة المواجهة المسلحة قبل أشهر، وهذه المشاهد لا تعجب الأوروبيين الذين يقدمون خدماتهم للعراق في إطار جولات التنقيب عن الآثار، لذلك يفضّلون الانسحاب بدلاً من الإكمال".
من جهته، أشار الناشط في مجال الآثار في محافظة نينوى، أثير ميخا، إلى أن "الحكومة العراقية مقصّرة تجاه حماية بعثات التنقيب الأجنبية في الموصل، مع العلم أنها تمتلك شرطة مختصة بحماية المناطق والمواقع الأثرية، ومن المفترض أن تعمل على منع أيّ تجاوزات أو تهديدات تطاول المنقبين الأجانب"، موضحاً في اتصالٍ مع "العربي الجديد"، أن "الموصل بحاجة إلى زيادة في أعداد المجاميع والبعثات الأجنبية لتنقيب المناطق الأثرية والتاريخية المطمورة التي لم تُكتشَف بعد، ومن المؤسف أن تغادر البعثة الإيطالية وغيرها بسبب التجاوزات والصراعات الاقتصادية والتجارية في المدينة".
وكان مدير مفتشية آثار نينوى، مصعب محمد، قد أكد في وقتٍ سابق، أن "منطقة نينوى الأثرية شهدت خلال فترة سيطرة (داعش) بناء العشرات من الوحدات السكنية، التي أصبحت بعد التحرير أمراً واقعاً، خصوصاً بعد إيصال الخدمات الرئيسة لهذه الوحدات، وأن مفتشية الآثار تعاني من نقص الآليات وأفراد الشرطة الخاصة بها"، مبيناً في تصريحات أن "ضعف التعاون بين مفتشية الآثار والدوائر الخدمية في المحافظة هي الأخرى يعوق عمليات إزالة التجاوزات في المدينة".
دمّر تنظيم "داعش" ما يقارب ثمانين موقعاً أثرياً في محافظة نينوى منذ سيطرته على المحافظة عام 2014 وحتى تحريرها عام 2017. وبعد تحرير محافظة نينوى، واجهت المناطق الآثارية تحديات كبيرة بعد التحرير، مثل تعرضها للسرقات بسبب إهمال السلطات المحلية والمركزية لها، ووجود الألغام والعبوات الناسفة التي زرعها التنظيم في هذه المناطق خلال معارك الموصل، إلى جانب وجود نزاعات مِلكية في بعض هذه المواقع بين وزارتي الأوقاف والآثار.