"هدية" فلسطينية إلى "أوسكار" هوليوود: بساطة سرد

26 فبراير 2021
صالح بكري: أداء عاديّ للغاية (آشيل عبّود/ نورفوتو/ Getty)
+ الخط -

فيلمٌ فلسطيني جديد يُدرج في اللائحة القصيرة للأفلام المختارة للتنافس على الترشيح الرسمي لـ"أوسكار" أفضل فيلم قصير، في النسخة الـ93 للجوائز (25 إبريل/ نيسان 2021). "الهدية" (2020) فيلمٌ قصير (25 دقيقة) للفلسطينية فرح النابلسي (مواليد لندن، 1978). اختياره من "أكاديمية فنون الصورة المتحرّكة وعلومها" (لوس أنجليس) يرتكز على تنويع المواضيع والجنسيات الإنتاجية، ويهدف إلى نوعٍ من تقليص الهوّة بين الأكاديمية والتنوّع، في إدارتها ولجان اختياراتها، كما في خياراتها.

لهذا نقاشٌ آخر. "الهدية" بسيطٌ وسلس. تفاصيله مستلّة من يوميات فلسطينية، وحبكته تقول شيئاً من صدام دائم بين ناس البلد واحتلال إسرائيلي للبلد وناسه.

يريد يوسف (صالح بكري) شراء هدية لزوجته نور (مريم باشا)، بمناسبة ذكرى زواجهما. مُصابٌ هو بألمٍ في ظهره. الانتقال الجغرافي في فلسطين المحتلّة يُرافقه تعذيب، جسدي ونفسي، فالاحتلال راغبٌ فيه لمزيدٍ من إذلالٍ ومهانة بحقّ الفلسطينيين. تُرافقه ابنته الوحيدة ياسمين (مريم كنج). عبور حاجز إسرائيلي في الضفّة الغربية ضروريّ. المشكلة تقع هنا. اختزال السرديّة الفلسطينية في مواجهة الاحتلال بحاجز كهذا (يُمكن أنْ يُقام الحاجز في أي مكانٍ آخر في فلسطين المحتلّة) منبثقٌ من تصوير مكثّف لمعنى العبور والمواجهة: لن يحول أيّ حاجز إسرائيلي دون بلوغ الفلسطيني بلده وأرضه، رغم كلّ شيء. أما المواجهة، فجزءٌ أساسيّ من العيش اليومي في البلد المحتلّ.

ألم الظهر يبدو سمة فلسطينية. مصطفى (علي سليمان) مُصابٌ به أيضاً ("200 م." لأمين نايفة. "العربي الجديد"، 4 سبتمبر/ أيلول 2020). الرجلان يمرّان على حاجز إسرائيلي للعبور من منطقة إلى أخرى في بلدهما، ولكلّ واحد منهما سببٌ أو أكثر لعبوره. أشكال المهانة والإذلال تختلف، لكنّ القهر واحدٌ. الرغبة في شراء هديةٍ تُشبه، بشكلٍ ما، تلك التي تعتمل في ذات أبو ليلى (محمد بكري) في "عيد ميلاد ليلى" (2008) لرشيد مشهراوي، رغم أنّ هديته ستكون لابنته ليلى (نور الزعبي) بمناسبة عيد ميلادها، بينما خالد يريدها لزوجته بمناسبة ذكرى زواجهما.

التفاصيل والسياق والأجواء غير متشابهة كلّها بين فيلمي فرح النابلسي ورشيد مشهراوي، لكنّ المناخ العام يكاد يكون واحداً. أبو ليلى يتوه في رام الله (في ساعاتٍ قليلة في نهار أحد الأيام)، فينكشف الفساد والفوضى والقلق. خالد يواجه احتلالاً كي ينتقل في بلده مسافةً قصيرة (ساعات قليلة أيضاً، في نهار أحد الأيام). ألم الظهر قاسٍ. ألا يُقال إنّ المرء يحمل هموم الدنيا على ظهره؟

 

 

بعيداً عن إسقاطاتٍ ومقارنات، يروي "الهدية" حكاية بسيطة وعادية. ساعات عدّة تفصل بين خروج خالد وياسمين من منزلهما، وعودتهما إليه محمّلين بأغراضٍ قليلة، وهدية واحدة، وآلامٍ عدّة. المشكلة أنّ خالد عاجزٌ عن تمرير "الهدية"، المشتراة من محل لبيع الأجهزة المنزلية، عبر الحاجز؛ والإسرائيلي يتعنّت في رفضه السماح له بالمرور إلى جانب الحاجز. ياسمين تتحدّى الجميع، وتغلبهم. أيكون في هذا قولٌ يُفيد بأنّ الغلبة لمستقبل آتٍ؟

مريم كنج تؤدّي دور ياسمين بشفافية وعفوية، تجعلانها أقرب من الجميع إلى ذاتِ مُشاهدٍ وروحه. نظراتها أقوى من كلّ كلام. ارتباكها أمام فعلٍ ذاتيّ، تُضطرّ عليه لا إرادياً (عند انتظارها التحقيق مع والدها في "رحلة" الذهاب)، صادقٌ وحقيقيّ. غلبتها حاجزاً إسرائيلياً، بسلاسة طفولية، بسيطة وعميقة. هذا يمنح "الهدية" جانباً فنياً مُشعّاً وحيوياً، فصالح بكري غير مانحٍ شخصية خالد تلك الحيوية الضرورية، التي يُفترض بها أنْ تجمع ألماً جسدياً بقهرٍ نفسي، على ركيزة رغبة متواضعة في احتفالٍ عائليّ، والحسّ الأبويّ يظهر في السياق الدرامي غير مُقنعٍ، بسبب خفّة أداء، أو تبسيطٍ فيه غير مُبرَّر.

مشهدٌ آخر: الصدام الحاصل على الحاجز نفسه، في طريق/ رحلة العودة. هناك ما يشي بنقصٍ في كلامٍ أو أداء أو تصرّف، يحوّل المشهد برمّته إلى تصنّع أدائيّ. هناك افتعال في كلّ شيء: ازدراء الإسرائيلي، توجيه السلاح إلى خالد، التفتيش، الإمعان في الإذلال، الكلام القليل المتداول بين الإسرائيلي وخالد، حدّة الغضب في ذات والد ياسمين، إلخ. افتعال يُصبح تصنّعاً، بينما غلبة ياسمين للجميع تُنهي المشهد من دون أي ردّة فعلٍ إسرائيلية على الفعل الفلسطيني هذا.

لـ"الهدية" فريق أجنبي، يُترجِم بصرياً نصّ فرح النابلسي وهند شوفاني. الفنيّ والتقنيّ مشغولان بحِرفية غير مبهرة، وغير قادرة على منح النصّ حيوية، مستلّة من غليان حالةٍ وتصرّفات ومسالك وأقوال. التصوير (بونوا شاماي) مكتفٍ بالتقاط ركائز مختلفة لوقائع ومسارات، ويُكمِل التوليفُ (هند شوفاني، بإشراف آن ماري جاسر، بينما يضع عبد الله سادا اللمسات الأخيرة عليه) إنجاز مهمّته، مستنداً إلى المفردات الأساسية للبناء الحكائيّ السينمائيّ.

المساهمون