أمام ندرة الإنتاجات التي تعرض نضال الشعب الفلسطيني ووجهة نظره، يبدو من الواضح أن منصة مشاهدة الأفلام والمسلسلات "نتفليكس" هي بيت للدعاية الإسرائيلية وأداة لتضخيم رسائلها وادعاءاتها.
قليل من الأعمال الفلسطينية
شرعت منصة "نتفيلكس"، ابتداءً من 18 مارس/ آذار ببثّ "الهدية" للمخرجة فرح النابلسي. وهو فيلم قصير مدته 25 دقيقة، رُشّح لأكثر من 40 جائزة عالمية، بينها جائزة "أوسكار" في فئة الأفلام القصيرة في الدورة الـ93.
ويروي "الهدية" حكاية تدور حول خالد وابنته، العاجزين عن تمرير هدية اشتراها خالد لزوجته من محل لبيع الأجهزة المنزلية، عبر حاجز؛ بسبب التعنّت الإسرائيلي في رفض السماح له بالمرور.
وتعرض المنصة أيضاً الفيلم الوثائقي Born in Gaza للمخرج الأرجنتيني، إرنان زين، والصحافي الإسباني جون سيستياغا، الذي يعرض آثار العدوان الإسرائيلي على أطفال غزة.
ويقدّم العمل شهادات من حيّ الشجاعية إلى مستشفى الشفاء مروراً بداخل الركام، وما سببته آلة الحرب الإسرائيلية من ضرر نفسي لآلاف الأطفال الفلسطينيين.
ويعيش فريق العمل رحلة استكشاف قادته إلى قناعات مؤلمة تعاكس فكرة المساواة بين الضحية والجلاد عندما يتعلق الأمر بالعدوان الإسرائيلي على شعب فلسطين.
الكثير من الدعاية الإسرائيلية
من أشهر الأعمال الإسرائيلية في منصة "نتفليكس" مسلسل "فوضى"، من تأليف الإسرائيليين ليئور راز، وآفي إيساكاروف، الذي تدور أحداثه حول وحدة إسرائيلية سرية تسمى "مستعرفيم" (المستعربون)، تنفذ مهمات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهي تتنكر كالعرب.
وطالبت "حركة مقاطعة إسرائيل" BDS المشاركين في المسلسل بالانسحاب، ووصفت العمل بأنه "مادة دعائية تخدم نظام الاستعمار الصهيوني، من خلال ترويجه لجرائم الحرب التي تقترفها "فرق الموت" (المستعربين) في جيش الاحتلال".
وتبث "نتفليكس" أيضاً مسلسل"الجاسوس" الذي يعرض قصة الجاسوس الإسرائيلي المعروف، إيلي كوهين، في ست حلقات.
والمسلسل من إخراج الإسرائيلي غيديون راف، ومن بطولة البريطاني ساشا بارون كوهين، الذي عُرف بتأديته للأدوار الكوميدية، خاصة التي يجسّد فيها شخصيات عربية يؤديها بإنكليزية مطعّمة باللكنة العربية، كدور الزعيم الليبي معمر القذافي الذي أداه في فيلم "الدكتاتور".
و"الجاسوس" عمل إسرائيلي بامتياز، ويحمل رسالة سياسية أريد منها إظهار كوهين على أنه أحد الأبطال الخالدين، وأن من جنده من ما زال سائراً على الدرب، ملقياً بهذه الفكرة في وجه المشاهد في آخر مشهد بالمسلسل، حيث يجنّد عميل جهاز الاستخبارات الإسرائيلي "الموساد" المدعو "دان" شخصاً آخر بالطريقة نفسها التي جُند بها إيلي كوهين.
كذلك تتحدث جميع الشخصيات في المسلسل اللغة الإنكليزية، ويطعّمونها بين الفينة والأخرى بكلمات عربية مكسّرة من قبيل "السلام عليكم، مرحباً، ويلا، إلخ".
الغريب أن الجندي الذي كان يعذب كوهين لاحقاً بعد إلقاء القبض عليه كان يتحدث اللهجة اللبنانية.
"نتفليكس": منصة عالمية للدعاية الإسرائيلية
تحلل دراسة نشرها "مركز الجزيرة للدراسات"، صيف العام الماضي، مضامين الدعاية الإسرائيلية في الدراما التليفزيونية الإسرائيلية المعروضة على منصات البث الرقمية العالمية، وعلى رأسها "نتفليكس" الأميركية.
تُظهر الدراسة مَيْل الدعاية الإسرائيلية إلى عرض أعمالها على منصات عرض عالمية، مثل "نتفليكس"، لتوسيع قاعدة انتشارها وتأثيرها عبر الجمهور في العالم. ويكشف البحث مخاطر فتح المنصات العالمية أمام الرواية الإسرائيلية مقابل غياب الرواية الفلسطينية أو تغييبها.
ويسلط البحث الضوء أيضاً على اهتمام أجهزة الدعاية الصهيونية بمنصات البث التلفزيوني مثل "نتفليكس"، نظراً لخصوصيتها التقنية وقدرتها على التكيف وغياب القيود الزمنية والتوجه نحو الشباب.
كذلك تكشف الدراسة دور الدراما الإسرائيلية في إبراز التفوق الإسرائيلي، حتى إنسانياً، مقابل الحط من مكانة الفلسطيني إلى حدِّ تجريده من إنسانيته مهما كان جنسه أو عمره أو موقعه الاجتماعي أو حتى موقفه من الصراع العربي-الإسرائيلي.
وتسعى الدعاية الإسرائيلية من بث الدعاية عبر "نتفليكس" وأخواتها إلى إقناع الرأي العام الغربي، الرسمي والشعبي، المؤيِّد منه لنضال الشعبي الفلسطيني على الوجه الخصوص، بعدم التعاطف مع الفلسطينيين، مع محاولة إقناع الرأي العام العالمي بأن الفلسطينيين لا يستحقون دولة، لأنهم فاسدون.
وتتقاطع هذه المضامين مع الخطاب السياسي الإسرائيلي الذي لا يتوقف عن تحريض المجتمع الدولي على الشعب الفلسطيني.