"مذكرات آندي وارهول"... الفنان في سعيه إلى التلاشي

29 مارس 2022
جعل من وجهه قناعاً يُخفي نفسه خلفه (ويغي/Getty)
+ الخط -

لا يمكن إنكار بصمة المنتج راين مورفي في "نتفليكس"، منذ أن تعاقد مع المنصة في عام 2018. يتضح الأمر في البرامج والمسلسلات التي تتناول قضايا الهوية الجندرية، وعلاقتها مع عالم الفنّ، وهذا ما نتلمّسه في السلسلة الوثائقية الجديدة، "مذكرات آندي وارهول" (The Andy Warhol Diaries)، الفنان الغني عن التعريف، الذي حول "الإعلانات" إلى شكل فنّي، ما زالت آثاره في علم الجمال وسوق الفن حاضرة حتى الآن.
يعتمد المسلسل على مذكرات وارهول نفسها، تلك التي "ألقاها" عبر الهاتف على أسماع صديقته، بات هاكيت (Pat Hackett) منذ عام 1975، ونشرت في عام 1989 بعد رحيله بعامين، وبلغت قرابة الـ 800 صفحة.
تتناول السلسلة، ذات الحلقات الست، حكاية هذه المذكرات، إلى جانب محتواها لرسم سيرة وارهول حسب ما "رواها" هو. وفِعل رواها، هنا، ليس مبالغة؛ إذ تم توظيف الذكاء الاصطناعي، لتوليد صوت وارهول، ليصبح هو الراوي نفسه للمسلسل، وكأنه يخبرنا عن حياته بـ "صوته".
لا نعلم كيف يمكن الحكم على السلسلة، أو التساؤل عن الجديد فيها، خصوصاً أن وارهول مشبع بالنقد والدراسات، ومعارضه تجول العالم طوال الوقت، ليتحوّل هو نفسه إلى عمل فني، وهذا ما يشير إليه المسلسل حين الحديث عن وجه وارهول وشخصيته الغريبة، ومحاولاته دوماً التخفي وراء الأقنعة والصور والأعمال الفنيّة، ليبدو وارهول وكأنه يسعى إلى التلاشي كشخص، والحفاظ على القناع فقط.
اللافت، أو المحيّر، في السلسلة، هو تركيزها على مثلية وارهول، هو الذي لم يصرح بها. وبالرغم من العديد من المقابلات مع من عرفوه، بقي شأن الجنس محيراً؛ إذ كان وارهول يروّج إلى كونه لاجنسي (Asexual)، لا يهتم بملذات الجسد، لكنه يفضل فقط صحبة الرجال. هذه القراءة حولت السلسلة كلها إلى بحث في هوية وارهول، وقراءة أعماله بوصفها تجليات مختلفة لهويته الجنسية، تلك التي تبدو واضحة في أعماله الفوتوغرافية، من دون أن يصرح بها.


هذه القراءة، تعرفنا على وارهول الإنسان، غريب الأطوار، الذي يعاني مشاكل مع نفسه وشكله، ناهيك عن افتراضها أن عمله "الفني" ليس إلا محاولة للوقوف بوجه فوبيا المثلية، والوصول إلى شهرة يحميه من العنف والتنمر اللذين كان يتعرض إليهما المثليّون في ستينيات الولايات المتحدة. مع ذلك، تبقى أعمال وارهول أشد نقدية من حصرها في نطاق صراع الهويّة، فثقافة الاستهلاك التي نشأ ضمنها، تعكس طبيعة المجتمع الأميركي؛ كلما استهلكت أكثر، كلما انتميت أكثر. وهنا، يمكننا قراءة أعمال وارهول في علاقتها مع مفهوم "القيمة" و"نظرية الجهد"، وغيرها من المقاربات التي ترى في أسلوب صناعته للوحاته عن المشاهير تعليقاً على الاستهلاك نفسه، وعلى ثقافة النجوم. والأهم، النظرة إلى الفنان نفسه، ليس بوصفه شخصاً يأخذ مسافة من موضوعه، بل يمثّل جزءاً منه، يتعامل معه ويتقاضى منه المال، ويعيد تقديمه كما يريد.

سينما ودراما
التحديثات الحية

تضم السلسلة بعض المفاتيح لقراءة أعمال وارهول. مثلاً، يقول جيري هال، إن لوحات وارهول تعكس في بعض التفاصيل موقفه من الشخصية التي يقوم بتصويرها؛ فـ "إن ضَبطَ لون أحمر الشفاه داخل الحدود، هذا يعني أنه معجب بمن صوره، وإن تركها تسيل للخارج، فهو غير معجب بموضوعه". هذا النوع من التحليل، يكشف لنا كما ذكرنا سابقاً، أسلوب عمل وارهول، وموقفه الشخصي مما يقوم به؛ إذ نشاهد صورة لمساعديه، وكيف يطلب منهم صناعة ما يريد، ليبدو أحياناً كمدير ورشة أكثر منه فناناً منهمكاً في صناعة "لوحة"
اللافت في المسلسل، أيضاً، هو وعي وارهول بعالم الفن، ومكانته ضمنه، وقدرته على مواكبة الأجيال الجديدة، وتغيير أسلوب عمله بما يتناسب مع "إيقاع العصر"، الشأن الذي ربما جعل شهرته تمتد إلى يومنا هذا، ليس بوصفه فناناً ماهراً فقط، بل قادراً على التقاط الظواهر الاستهلاكية والاستعراضية، واختزالها في علامات قادرة على انتقاد ما يحدث، من دون أن تفقد حيويتها كأعمال فنيّة مستقلة

المساهمون