"مدرسة الروابي للبنات": خلّاط قضايا واجهتها التنمر

عمر بقبوق

E54F4F3D-AEC8-4882-A04D-7108D6CEF542
عمر بقبوق
19 اغسطس 2021
مسلسل "مدرسة الروابي للبنات" يثير الجدل في الأردن
+ الخط -

بدأت منصة بثّ المحتوى الترفيهي والأفلام عبر الإنترنت "نتفليكس"، الأسبوع الماضي، بعرض المسلسل الأردني "مدرسة الروابي للبنات"، وهو من إنتاجاتها الأصلية، ومن تأليف وإخراج تيما الشوملي.

يركز المسلسل في حلقاته الـ 6 على الطالبات في "مدرسة الروابي للبنات": مريم ونوف ودينا، ورانيا، ورقية، وليان. هذا التركيز الذي اقتصر على الشخصيات الرئيسية وأغفل العوالم المحيطة بها، أدى إلى خلق مشكلة كان يتوجب على صنّاع المسلسل تلافيها؛ فهذا الأسلوب جعل الفتيات في المسلسل يتناوبن على لعب دور الضحية والجلّاد درامياً، وأَسقَط عن الشخصيات المحيطة بهن السمات الإنسانية، فتحولت لأدوات اجتماعية وحشية يسهل استثمارها.

هذا ما نشعر به، ونحن نتابع المسلسل الذي حبكت حكايته على شكل حرب بين فريقين من المراهقات: فريق المتنمرات الذي يضم ليان ورانيا ورقية، وفريق المنتقمات المؤلف من مريم ونوف ودينا اللواتي يحاولن في معركتهن هذه استغلال أسلحة سلطها المجتمع على النساء، وبينها معاداة المثليات والوصم الاجتماعي بحقهن في المجتمعات المحافظة، والعنف ضد الفتيات، والرقابة المفروضة عليهن من قبل الأقرباء من الذكور. لذلك، نجد أنفسنا أمام مسلسل يتناول بخجل قضايا مهمة وجريئة كجرائم الشرف ورهاب المثلية التي ينبغي على الدراما العربية أن توليها اهتماماً أكبر. بيد أن المسلسل يتناول بشكل أكثر عمقاً قضية التنمر التي بنيت عليها حبكته.

يتخلل المسلسل الكثير من الهفوات والأخطاء الدرامية، لتفقد الحكاية بعدها الواقعي والمنطقي في لقطات عدة، لكن حساسية القضايا التي يعالجها تغطي على الأخطاء الدرامية وترممها.

إلا أن المشكلة الكبيرة في المسلسل التي لا يمكن تجاوزها تكمن في أن الحكايات قد نسجت بنفس استشراقي غريب، يبدو عاجزاً في بعض اللحظات عن فهم البيئة التي تحتضن الشخصيات. فعلى الرغم من أن المسلسل يتناول أزمات يعاني منها المجتمع الأردني خاصة والعربي عامة، إلا أن لغة الحوار تبدو في الكثير من اللحظات بلا روح، وكأنها مترجمة وليست اللغة الأصلية التي نفذ فيها العمل. كما أن المبررات الاجتماعية التي يؤمن بها الجناة والتي تعزز مظلومية النساء في المجتمعات العربية نراها مفقودة في معظم المشاهد. ذلك يوحي بأن الدافع وراء صناعة المسلسل هو التعاطف مع الضحايا النساء في المجتمعات العربية، لكنه تعاطف لم يكن مصحوباً بالبحث الاجتماعي الذي تتطلبه صناعة الدراما.

من ناحية أخرى، لا بد من الإشادة بقدرة تيما الشوملي على صوغ الحكاية وإخراجها بأسلوب شيق، يجعلك غالباً تتابع الحلقات الست التي يتكون منها المسلسل بجلسة واحدة، إذ تمكنت من استخدام عدد من الحيل الدرامية لتحبك حكايتها التي لا تفتقر أبداً للحساسية الفنية. فعلى العكس من التجربة السابقة لإنتاجات "نتفليكس" في الأردن، أي مسلسل "جن" الذي تعرض لكم كبير من الانتقادات في العالم العربي، نجد أنفسنا اليوم أمام مسلسل تتقبله شريحة أكبر من الجمهور، علماً أن كلا المسلسلين يتقاطعان في البيئة الدرامية الحاضنة، التي كانت السبب الرئيسي وراء الحملات التي شُنت ضد مسلسل "جن". السبب في هذا الميل نحو تقبل العمل الجديد يرجع لمجموعة عوامل، بعضها يتعلق بحساسية القضايا الرئيسية في المسلسل وواقعيتها، وبعضها يتعلق بعوامل درامية وبالأسلوب الذي صيغ به المسلسل.

تيما الشوملي تتمكن من خلق بداية شيقة للمسلسل، حين تبدأ بجريمة قتل وتستخدم تقنية الـ "فلاش باك"، لتعود بالزمن إلى الوراء؛ الحيلة التي يبدو أنها اقتبستها من مسلسل "إيليت" الإسباني الذي يتناول حياة المراهقين أيضاً في مدارس طبقة الذوات في إسبانيا. وعلى الرغم من هبوط إيقاع الحلقة الأولى عندما تغالي برسم الجو العام في مشهد للتلميذات يؤدين نشيد المدرسة، إلا أن الشوملي تتمكن من خلق أحداث كثيفة منذ البداية، تبدو كفيلة بالكشف عن بنية العلاقات بين الشخصيات الست الرئيسية. وبعد أن تستثمر حيلة الإثارة والتشويق المتعلقة بجريمة القتل غير المكتملة حتى بداية الحلقة الثانية، تبدأ باستخدام حيلة درامية أخرى، تحوّل فيها المسلسل إلى مسلسل مغامرات قائم على رسم الخطط والمكائد، ليساهم ذلك في رفع الإيقاع مجدداً. لكن في هذا القسم تستعير الشوملي بعض الأفكار من مسلسلات ناجحة على "نتفليكس" مثل "أورانج إز ذا نيو بلاك". وبعد أن تستهلك الخطط والمكائد بثلاثة حلقات، تعطي المسلسل بعداً نفسياً آخر في التحولات النفسية التي تطرأ على الشخصيات في الحلقتين الأخيرتين، لتكسر شكل الدراما مرة أخرى، وتزيد بهذا التدمير الفني جرعة الإثارة. ويجب أن نشير هنا إلى أن بعض التحولات النفسية تبدو منطقية ومبررة، كما هو الحال مع شخصيتي نوف ومريم، والبعض الآخر اعتباطي، كما هو الحال مع شخصية ليان، فلا شيء يبرر التحول الذي طرأ عليها، لتكتسب صفات أكثر رقة، سوى رغبة الكاتبة بتحويلها من جانية إلى ضحية.

هناك تشابه كبير بين الشخصية الرئيسية في مسلسل "مدرسة الروابي للبنات" وشخصية "كاري" في الفيلم الذي يحمل الاسم نفسه للمخرج بريان دي بالما؛ الشخصيتان تحركهما الرغبة في الانتقام والإصرار على تحطيم المتنمرين الذين أهانوهما. تبدأ شخصية "كاري" مسار انتقامها بعد أن عانت من صدمة التنمر الجماعي ضدها في غرفة تغيير الملابس. الأمر نفسه حصل مع مريم؛ لكنّ المسارات تختلف بعد ذلك، لتكون في "كاري" أكثر وحشية على المستوى الفردي، وتكون في "مدرسة الروابي للبنات" أكثر وحشية على المستوى المجتمعي.

ذات صلة

الصورة
شعار منصة نتفليكس (رافائيل هنريكي/Getty)

منوعات

انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي حملة تحت وسم #BoycottNetflix تدعو إلى مقاطعة "نتفليكس". وتأتي الحملة بعد حذف 19 فيلماً عن فلسطين.
الصورة
صراع أصحاب حقوق الملكية الفكرية والمخترقين (العربي الجديد)

تحقيقات

يقرصن مخترقون يعملون في دول مثل إيطاليا والصين واليونان محتوى تلفزيونياً وسينمائياً خاضعاً لحقوق الملكية الفكرية، ويباع في مصر عبر الإنترنت
الصورة
صناع اللحظات السعيدة (نتفليكس)

منوعات

بعد إثارة المسلسل الكوري "صالة اللحظات السعيدة" King the Land الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي، قدم صنّاعه، الأربعاء، اعتذاراً رسمياً عن أحد المشاهد الذي تضمن إساءة للعرب.
الصورة
مسلسل كوين كليوبترا / إنتاج نتفليكس / تويتر

منوعات

أكد المجلس الأعلى للآثار في مصر، يوم أمس الخميس، أنّ كليوباترا كانت "ذات بشرة فاتحة اللون وملامح هيلنستية"، في وقت أعلنت منصّة نتفليكس عرضاً مرتقباً لقصة وثائقية تلعب فيها ممثلة سوداء دور الملكة الشهيرة، الأمر الذي أثار ردود فعل شاجبة.
المساهمون