"مالكوم وماري"... جدال طويل بالأبيض والأسود

16 فبراير 2021
يتورّط الفيلم في فخ الخطاب المباشر (نتفليكس)
+ الخط -

في محاولة طموحة، يسعى فيلم "مالكوم وماري" Malcolm & Marie، المعروض أخيراً على "نتفليكس"، إلى محاكاة روح أفلام هوليوود الرومانسية المهمة. لكن ما يبدو فيلماً واعداً، يفاجئ المتلقي بفجاجته التي لا توافق التوقعات. يقدم العمل تفاصيل ليلة محمومة لخلاف عنيف، قد يحدد مصير علاقة مخرج واعد في طريقه إلى النجاح، مع شريكته التي عملت سابقاً ممثلة. الفيلم من كتابة وإخراج سام ليفينسون وأداء جون ديفيد واشنطن وزندايا. من اللافت أن ظروف العمل على الفيلم تعكس واقع الإنتاج السينمائي ضمن جائحة كوفيد-19؛ الاستثنائية، فهو من إنتاجات هوليوود القليلة التي تم تصويرها في شهر يوليو/ تموز 2020، في فترة الحجر الصحي في شقة مغلقة، وضمن فريق عمل صغير. 

إلى منزله الفاخر، يعود مالكوم ليحتفل بنجاح فيلمه مع حبيبته الفاتنة بثوبها المثير. وما يبدأ كسهرة حب خاصة، يتحول إلى معركة بين الحبيبين. تحبس العشرون دقيقة الأولى من الفيلم الأنفاس بصنعة وفن عالٍ. فيبنى المشهد على تفكيك مفاهيم ترتبط بتعقيد العلاقات الإنسانية، حيث يسعى العمل إلى تفكيك الثنائيات التي تجعل واقعنا رهناً لمعايير ازدواجية مصنوعة بفعل نظام سياسي واقتصادي واجتماعي، قائم على التمييز والعنصرية. هذه الرؤية قد عبر عنها المخرج باختياره لتقديم العرض بالأبيض والأسود، فيما يذكرنا بفيلم Who’s Afraid of Virginia Woolf? الحاصل على العديد من الجوائز.

يناقش العمل وضع الأقليات في عالم هوليوود وخارجه

فتحدي الصور النمطية يتجلى من خلال تقديم نموذج ناجح لزوج من الأميركيين من ذوي الأصول الأفريقية. يدفع الحوار المُشاهد لمسألة الافتراضات المسبقة، التي يحكم من خلالها على شخوص الفيلم تبعاً لما اعتادت السينما تقديمه لنا. فالمخرج الشاب يرفض التنميط الذي يقيده بلون بشرته وهويته. ليس كونه أسود، على أن يقدم فيلماً سياسياً محكوماً بالهوية. وفي مقابل صراعه مع المنظومة المحكومة بتراتبية تضع البيض في أعلى الهرم، وتهمش الذكور من الأعراق الأخرى، يأتي صراع شريكته كامرأة ذات بشرة ملونة ليبين هول هذه التراتبية على النساء خاصة من الأقليات العرقية. هذه التراتبية مرة أخرى تساهم بتهميشها ووضعها في درجة ثانية مقارنة بالرجل الأسود، الذي يمنح أفضلية ضمن هذه التراتبية العنيفة والقائمة على التمييز العرقي والجندري والطبقي.  

بينما يحارب مالكوم لفرض اعتباره كإنسان وكفنان يجب تقييمه بحسب جودة عمله، وليس بحسب عرقه وانتمائه، يتبين غروره وعنفه وعلاقته الاستغلالية لشريكته. فالمنظومة التي تمارس عنفاً طبقياً وعرقياً على الرجل الأسود، تخلق دائرة من العنف، يعاود فيها الأخير ممارسته على من هم أضعف منه.  

سينما ودراما
التحديثات الحية

تقف ماري في أدنى السلم الاجتماعي، وتطالب بالتقدير والعرفان وبوقف استغلالها كإنسانة وأنثى من أقلية عرقية ومن طبقة اجتماعية أدنى. هذا الكشف، يحمل جمال شخصية ماري، ويكثف حضورها وأداءها في الفيلم. فالسؤال الأعمق لفيلم "مالكوم وماري": كيف لنا أن ننجو من شرطية وجودنا التي تضعنا ضمن قوالب جاهزة؟

من جهة أخرى، متى يجب أن نتخذ من هذه القوالب مرجعية لوجودنا وهويتنا السياسية حتى نستطيع كسرها والتحرر منها؟ ورغم فجاجة دور الضحية، ضمن ديناميكية سؤال الهوية السياسية في حاضرنا، نجدنا ملزمين باتخاذ هذا الدور لتعريفه والإضاءة على معاناته لننجو منه. حالياً، يتمثل السؤال الرئيسي لحركات مثل "حياة السود مهمة" وحراك "أنا أيضاً" بسؤال الهوية السياسية التي يتم من خلالها تسليط الضوء على "التقاطعية" التي تعزز التهميش والعنف والتمييز ضد الأقليات والنساء والمثليين والعابرين جنسياً وذوي الاحتياجات الخاصة. 

في المقابل، يأتي النصف الثاني من الفيلم كخيبة كبيرة، حيث يتحول إلى حلقة مفرغة من الشجار الذي يكرر ذات الأفكار. في مونولوج غاضب وعنيف، يحاكم مالكوم نقاد الأفلام ويبدأ بالتنظير بطريقة أكاديمية ضد المعايير التجارية والعنصرية غير الفنية التي تحكم العمل السينمائي.

هذه الحوارات المكررة، رغم أنها قد تتطابق مع واقع بعض العلاقات المسمومة التي يلغي فيها أحد الأزواج وجود الآخر، تفتقر للجودة الدرامية التي تشد المتابع. وفي سعي الكاتب والمخرج لتقديم عمل يساهم بالتغيير، يقع في فخ التنظير وإلقاء المحاضرات.

ما يدفع المشاهد للمتابعة هو أداء الممثلين، والإخراج المتقن الذي يقدم صورة سينمائية جميلة. لكن، تتبدى في مرحلة ركاكة النص المكتوب. لذا يأتي السؤال: هل استطاع فيلم "مالكوم وماري" أن يعبر عن السؤال الراهن للمستضعفين ضمن قضية الهوية السياسية؟ وهل يتوجب على الفن أن يقوم بهذا الدور؟

يقع المخرج والكاتب ليفينسون في الفخ الذي يعبر ضمن فيلمه صراحة عن رفضه له. ففي أحد المشاهد، يقول مالكوم إنه ليس على السينما أن تعبر عن الواقع بحذافيره، بل عليها أن تضع رؤية ما ضمن سياق درامي وفني. لكن للأسف، غالباً ما نقع ضحية أسوأ مخاوفنا، كما في حال ليفينسون الذي قدم فيلماً يخلو من صنعة درامية عميقة.

المساهمون