"روما" لكايروكي: هل تمرّر الفرقة رسائل خفية؟

27 أكتوبر 2022
يرى البعض أن الفرقة ما زالت متمردة وتوجه إليه رسائل خفية (فيسبوك)
+ الخط -

أخيراً، أطلقت فرقة "كايروكي" المصرية ألبومها السابع في مسيرتها الفنية، وعنوانه "روما". لعلّها المرة الأولى التي تطرح فيها الفرقة ألبوماً بهدوء، من دون أي ضجيج حوله، رغم النجاح الذي يحققه الإصدار على منصات الاستماع. إلا أنه أصبح من الواضح أن الفرقة تفتقد شيئاً ما في موسيقاها، قد تكون الجرأة المنتظرة منها، أو الصوت العالي وسط السكوت، أو لعلّ الفرقة استسلمت للقيود والرقابة، بعد محاولات منها للسباحة ضد التيار في الإصدارات السابقة.

بعيداً عن محتوى "روما"، تواجه فرقة "كايروكي" عدة تحديات كبيرة في مسيرتها، على رأسها سيطرة موجة جديدة من أغاني الراب ونجومها الذين طرحوا أنفسهم كبديل شاب للفرق الغنائية المستقلة التي ظهرت بعد ثورة يناير وأصبحوا الصوت الأعلى والأكثر تمرداً، رغم ابتعادهم عن النقد السياسي، وكذلك الأكثر جماهيرية بين فئة الشباب. كما أن جمهور كايروكي الشاب في 2011 لم يعد شابّاً، وشهدت الساحة الغنائية تقلبات كثيرة قادرة على أن تجعل من الفرقة شيئاً من الماضي، أو مثاراً للحنين إليه فقط.

واكبت الفرقة هذه التطورات في الشكل الموسيقي للألبوم، بالاقتراب أكثر إلى أسلوب نجوم الراب الجدد، والاعتماد على قاموسهم الغنائي نفسه، مثل كلمات التفاخر بالذات والإحساس بالأهمية والتفوق، والتشبيهات بشخصيات شهيرة، مثل مارادونا وروبيرتو باجيو وتارانتينو وجوني كاش، وغيرهم من الأسماء التي وردت في "روما". وفي السياق نفسه، تعاونت الفرقة مع مغني الراب مروان بابلو في أغنية "تارانتينو".

يبدو أن تحدي منافسة الجيل الجديد كان في أذهان أعضاء الفرقة وقت صناعة الألبوم. وظهر تأثرهم بهذه الفكرة في عدة أغان، حاولت بها الفرقة الابتعاد عن المقارنة مع أبناء الجيل، أو طرح أنفسهم كصوت ناضج للشباب، كما يرد في أغنية "زمن الكلام": "إنت زيك زي يا ابني معلش اسمحلي أقولك كلمتين/ واحد متحاولش تقيمني كتير عشان متتعبش". وظهرت الفكرة أكثر وضوحاً في أغنية "جوني كاش" بتعبيرات مثل "أولد سكول نوت كول الموضة ملبسهاش/ فنان مش ترزي مش بعملك بنطلون دي مش فقرة ما يطلبه المستمعون/ مش عبد للتريند مش بعد الفيوز".

عبرت "كايروكي" عن شجاعتها وثقتها في جمهورها بطرح الألبوم كاملاً في وقت واحد، في زمن الأغاني المنفردة وانعدام الثقة في قدرة المستمعين على تحمل إصدار يتضمن 11 أغنية. وقال أمير عيد، نجم الفرقة، قبل طرح "روما": "ألبوم كايروكي هينزل كله في نفس الوقت ومفيش الجو بتاع أغنية كل أسبوع ده".

قد تكون الفرقة نجحت في التحدي التجاري بهذه الخطوة والطريقة المختلفة في الدعاية، ولكن هل نجحت في التحدي الآخر في التعامل مع القيود السياسية؟ الجانب السياسي كان السمة الأبرز لـ"كايروكي"؛ فهي آخر من تبقى من جيل ثورة يناير في الموسيقى، بعد اختفاء معظم الفرق المستقلة والأندرغراوند، وغياب الغناء السياسي. اشتهرت أغاني "كايروكي" بالنقد السياسي والاجتماعي بشكل حاد ومباشر في أغانيها، لكن النبرة انخفضت تدريجياً منذ ألبومها السابق، "البطة السوداء" (2019)، إذ عرفت الفرقة فيه مراجعةً لأسلوبها، وأعطت إشارات في كلمات بعض الأغاني إلى الارتباك والتنازلات التي تعيشها في المرحلة الحالية. هكذا، قالت الفرقة في "يلا نغني": "آخرتها إيه مبقتش قادر عالسكوت/ بتغني ليه شهرة فلوس ونجومية؟ ولا صاحب قضية مصدق فعلا في أغانيا؟ مخنوق والطريق مسدود/ لازم توطي راسك عشان تفوت/ أنا بغني ليكم ولا بغني عليكم؟ احمي نفسي أنا ولا أحميكم؟".

لكن، قبل ذلك، كانت الفرقة حاسمة لأمرها وقادرة أن تغني وتهتف في ألبومها "نقطة بيضا" (2017): "حرية يعني تغيير يعني حرية في التفكير والتعبير/ لو دي آخر أغنية ليا هفضل أغني للحرية". لم تكن هذه آخر أغنية لـ"كايروكي"، ولكنها كانت آخر أغنية في المسيرة النضالية بالأغاني، بعد سنوات من غناء "مطلوب زعيم" و"مات الكلام" و"إحنا الصوت"، وغيرها من الأغاني الثورية، لجأت "كايروكي" أخيراً إلى الرمزية والمعاني البعيدة في "روما"، بإشارات إلى جمهورها، توضح أن الفرقة ما زالت تحمل الأفكار نفسها، رغم عدم قدرتها على التعبير عنها بشكل واضح، على غرار: "بكتب التاريخ على كيفي وبإحساسي زي كوينتن تارانتينو/ هعلم على كل نازي/ بكره أنا هموت لكن هفضل موجود بعد الصمت والسكوت اسمعوا صدى الصوت".

وكانت السمة الغالبة على ألبوم "كايروكي" الجديد هي "الاستسلام للواقع بالهروب منه". سيطر هذا الشعور حتى في الأغاني الرومانسية، مثل قولهم: "حبيبتي ما تيجي نعيش في الدور ونصدق حلمنا ونتخيل مثلا مثلا يعني إننا في كوستاريكا"، أو "ليه مليش ف بكرة وليه بتوه/ ليه مليش ف حلم بترسموه"، وأيضاً "بشاور على بكرة ومش بيجي يمكن تنساني وأكون أنا"، وأخيراً "يمكن دا مش مكاني أو الزمان دا مش زماني/ يمكن خيالي وداني لدنيا أو لعالم تاني".

تعامل جمهور الفرقة المخلص مع الأسلوب الجديد في "روما" باعتباره "كلمات مشفرة"، تُخلي بها الفرقة مسؤوليتها. يبحث الجمهور عن المعاني المقصودة من خلال البحث عن أجوبة لأسئلته: من هو جوني كاش؟ ولماذا جيمس دين وتارانتينو؟ ولماذا يريد أمير عيد العيش في كوستاريكا؟ ربما لم يكن كل ذلك مقصوداً، ومجرد مستلزمات شكلية من أجل القافية والبلاغة اللغوية، أو لإضافة المزيد من التشويش. وقد يرى البعض أن الفرقة ما زالت متمردة وتوجه إليه رسائل خفية.

المساهمون