"جولة أخرى"... القسوة القادمة من الشّبه

06 فبراير 2021
يؤدي مادس ميكلسن دور البطولة (استديو كانال/تويتر)
+ الخط -

يمكن تحديد نقطتين مشعّتين في مسيرة المخرج السينمائي الدنماركي توماس فيتنبرغ. الأولى هي فيلم "الاحتفال" Celebration الذي أخرجه عام 1999. والثاني هي فيلم "الصيد" The Hunt الذي أخرجه عام 2012 ونال "السعفة الذهبية" في "مهرجان كانّ السينمائي الدولي".

فعلياً، يُعتبَر "الاحتفال" بأنّه العمل الأكثر اكتمالاً الذي يعبّر عن مدرسة "دوغما 95" التي انطلقت في الدول الإسكندنافيَّة في التسعينيات، وبشكل أساسي من المخرجيَن فيتنبرغ ولارس فونترير. الـ"دوغما 95" هي رؤية للسينما تركّز على قصّة دراميّة من دون أي تأثيرات تكنولوجية باهظة الثمن، بمعنى أنَّ الإضاءة في التصوير غير مهمة، والكاميرات يجب أن تكون محمولةً على اليد، والإضافات البصريّة ممنوعة، والاغتراب الزماني والمكاني غير مسموح.

كانت فكرة الحركة إبعادَ السينما عن شركات الإنتاج الكبرى (التي تقوم عادةً بهذه المؤثّرات)، وتكريس سلطة "المخرجين كفنانين" على العمل الفني. فجاء "الاحتفال" كعيّنة ممتازة تشير إلى هذه المدرسة. والقصّة مهوّلة بقسوتها: أولاد يصارحون والدهم علنًا بتفاصيل تحرّشه الجنسي بهم حين كانوا أطفالاً. والمواجهة تحصل في عشاء عيد ميلاد الأب، في "فيلم عادي" يشبه حياتنا. القسوة تأتي من الشبه.

أمّا "الصيد"، فقد أثار كثيراً من الجدل والنقاش لدقّة وحساسيّة المسألة التي يعالجها. إذْ تتهم فتاة صغيرة، كذباً، رجلاً بريئاً يعمل في المدرسة بإساءة المعاملة الجنسيَّة. ورغم أنَّ الفتاة الصغيرة تعترفُ لأهلها ووالدها أكثر من مرّة بأنها كذبت، إلا أنَّ الكذب مرّة واحدة كان كافياً لتدمير حياة الرجل الذي أُعدم معنويّاً بدموية.

"جولة أخرى" Another Round هو آخر أفلام فيتنبرغ الذي أطلق في سبتمبر/ أيلول العام الماضي. الفيلم الجديد امتدادٌ لرؤيته الإخراجيَّة. قسوة الاستقرار في المجتمع الإسكندنافي. المشاكل المتجلّدة تحت غطاء الرفاه والديمقراطية. ضغط المؤسسات البيروقراطيّة واغتراب الإنساني النفسي، وذلك لتحوّل الفردانيّة الليبرالية إلى عزلة داخليّة. الاكتئاب الصامت والزواج البارد والروتين الذي يقضي على متعة الحياة. باختصار، فيتنبرغ يرصد الأعراض النفسيّة لمستوى الفردانية العالي في الدنمارك.

بطل العمل هو نجم مسلسل "هانيبال"، ومن قام ببطولة "الصيد" أيضًا، الممثل الدنماركي مادس ميكلسن. "مارتن" مدرّس لمادة التاريخ في مدرسة محليَّة. يكره عمله ويمارسه بملل شديد، بالتوازي مع تدهور علاقته مع زوجته في المنزل، والبعد النفسي عن أطفاله. "مارتن" يقول في إحدى حصصه في المدرسة بأنَّ تشرشل (رئيس وزراء بريطانيا الراحل) كان قائدًا سياسيًا في الحرب العالمية الأولى. الخطأ البديهي لشخص صفته أستاذ تاريخ يؤدّي إلى استدعائه من قبل الإدارة التي تطالبه بترك عمله وإفساح المجال لأستاذ آخر.

"نيكولاج" (يؤدّي الدور الممثل ماغنوس ميلانغ) هو زميل "مارتن"، إذ يعمل في نفس المدرسة كأستاذ لعلم النفس، ويعيش مع زوجته التي تحتقره يومياً. يعرض "مارتن" على "نيكولاج" خطّة لتحسين الأداء، ويقوم زميلان آخران بالانضمام لاحقًا، وهي إبقاء الكحول في مستوى معيّن في الدم خلال اليوم، لأنّ ذلك: "يحسن المزاج والأداء الذهني والحركي". يدّعي "نيكولاج" بأنّه قرأ دراسة عن هذا الموضوع، ويقتنع الجميع بالفكرة، ويبدؤون بشرب الكحول صباحاً قبل بدء الدروس.

يتحسّن أداء الجميع، وتدبّ الحياة في مزاج "نيكولاج" ويزداد تفاعله مع طلابه. وفي أوّل درس تحت تأثير الكحول، يعرض مثالاً تاريخياً، إذ يخير طلابه بالاختيار بين مرشّحين. الأوّل يشرب الكحول ولا ينام أبدًا ومعروفٌ بوقاحته، والثاني مارس الرسم في طفولته، ولا يأكل الحيوانات، وينامُ ويستيقظ مبكراً. وعندما يفضّل الطلاب الخيار الثاني على الأول، يجيب مارتن: "لقد اخترتم هتلر بدلاً من تشرشل!".

دلالات
المساهمون