الثابت الأول كامنٌ في محافظة المهرجان على نقطة قوّته الكبرى، المتمثّلة في لجنة تحكيم رفيعة المستوى، ترأسها، كما جرت العادة، شخصية سينمائية فذّة، هي هذا العام المخرج الأميركي جيمس غراي، رفقة أعضاء آخرين أبرزهم لينّ رامزي وميشال فرانكو ولوران كانتي.
الثابت الثاني، الذي شكّل ولا يزال يُشكِّل نقطة تميّز مهرجان مرّاكش، هو غزارة وجودة الأسماء المشاركة في فقرة الـ"ماستر كلاس" أو "محادثة مع..."، وهم في هذه الدورة: مارتن سكورسيزي، وروبيرت دي نيرو، وغييرمو دل تورو، وكريستيان مونجيو ويسري نصرالله.
من الثوابت الأخرى أيضًا، اختيار الأفلام المشاركة في المسابقة الرسمية، وهي بمعظمها الأولى أو الثانية لمخرجيها. اختيار أثار ولا يزال يُثير الجدل بين مُقدِّر لأهميته وأصالته، ومن يعتقدون أنّه يحدّ من إشعاع المهرجان ومستوى المسابقة.
أعضاء لجنة التحكيم دافعوا عن هذا الاختيار وأهميته، إذْ أبرز لوران كانتي، في ردّه على سؤالٍ بهذا الخصوص، كيف أنه سيظلّ مَدينًا للمهرجان الذي اختار أفلامه الأولى وتوّجها. جيمس غراي، المُصرّ على منح أعضاء لجنته جميعهم فرصة للكلام، أشار باختصار إلى أنه يضع صدق الأفلام ووفاءها لعشق السينما فوق كلّ اعتبار، بينما قالت رامزي إنها تودّ لو لم تكن أفلامها تحمل أيّ إشارة إلى أنها مخرجتها، حتى تُشاهد وتُقرأ بمعزل عن كونها امرأة أو أيّ اعتبار آخر غير السينما. أما داكوتا جونسن، فأثارت انتباه الجميع عندما أوضحت أنها تعتقد أنّ الحضور النسوي في عالم السينما "لا بأس به"، وأنه أكبر بكثير ممّا يحاول البعض أن يسوّق له بطريقة دوغمائية.
من الأسئلة العديدة التي تطرحها النسخة الجديدة للمهرجان، تركيبة الفريق الفنّي التي يشوبها الغموض، بحكم تعدّد المتدخّلين فيها، رغم أن المسؤول عنها رسميًا هو الألماني كريستوف تيرهكت. بالإضافة إلى الانتقادات الحادّة التي وجّهت إلى الفريق الجديد المشرف على العلاقات مع الصحافة، بحكم التّهميش الذي طاول الصحافتين المغربية والعربية، حتى بلغ الأمر حدّ حرمان صحافيين مغاربة معتمَدين من حضور حفل الافتتاح، وهذه سابقة رغم أنّ المنظمين اضطرّوا لاحقًا إلى فتح الأبواب أمام الجمهور كي تمتلئ مقاعد قصر المؤتمرات.
هذا النّوع من التوجّهات والقرارات الغريبة ومجهولة المصدر والمغزى، التي تظهر بين حين وآخر مُذكِّية حيرة أكثر المراقبين خبرة ومعرفة بكواليس السينما في المغرب، يُشكّل أحد سمات "المهرجان الدولي للفيلم بمرّاكش"، وأحد أبرز نقاط ضعفه أيضًا.
تصوير أحمد الداوودي